تحل بعد يومين الذكرى العاشرة لثورة الشعب المصري العظيمة في 30 يونيو 2013، والتي أطاحت بحكم جماعة الإخوان لأرض الكنانة بعد أقل من عامين من استيلائهم عليه، برلماناً ثم رئاسة.
وقد أبدع دستور مصر الذي تمت صياغته بعد هذه الثورة المجيدة في وضعها مع ثورة الشعب المصري الأولى في 25 يناير 2011، باعتبارهما ثورة واحدة متصلة، بقوله أن “ثورة 25 يناير – 30 يونيو، فريدة بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التي قدرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبتجاوز الجماهير للطبقات والأيديولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة، وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية وبمباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لها، وهى أيضاً فريدة بسلميتها وبطموحها أن تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية معاً”.
وبينما تسعى الجماعة الإرهابية وإعلامها بكل القائمين عليه من أعضائها والملتحقة بها، للهروب النفسي من ذكرى ثورة الإطاحة بهم، ليس فقط من الحكم ولكن من المجتمع المصري برمته، تحل هذه الذكرى العظيمة ومعها هذا الزخم السياسي الكبير الذي تشهده مصر منذ أكثر من عام بعنوان “الحوار الوطني”، والذي يعيد للتحالف السياسي والشعبي الواسع الذي أنجز ثورة يونيو ظهوره وتماسكه من جديد في الذكرى العاشرة لنجاحها.
ولقد كانت ثورة يونيو وبامتياز، الثورة الشعبية الأكبر في تاريخ مصر الحديث كله طوال أكثر من من قرنين، وفاق عدد المشاركين بها من شاركوا في ثورة يناير 2011، وكان سر هذا هو المشاركة الكثيفة للفئات الوسطى والعليا والأدنى من المجتمع المصري، والتي كان معروفاً عنها عزوفها عموماً عن التحرك السياسي المباشر والاكتفاء بالمشاهدة والتعليق عن بعد.
ولقد دفع إلى هذه المشاركة غير المسبوقة لتلك الفئات، الإحساس الجارف والعميق لديهم بالمخاطر العظمى التي يمثلها حكم الجماعة على هويتهم المصرية العربية-المسلمة الوسطية المستقرة، وعلى نمط حياتهم وعلاقاتهم ببعضهم البعض سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، فخرجوا بعشرات الملايين ليطيحوا بحكم الظلام الذي هدد كل هذا.
ولقد كان للدولة المصرية خلال السنوات الماضية وحتى دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للحوار الوطني في 26 أبريل 2022، أولويات أخرى، تمثلت في القضاء على الإرهاب الخطر الذي تهدد مصر بشراسة لسنوات طويلة وإعادة الأمن والاستقرار، والشروع بقوة في إعادة بناء مقومات الدولة الاقتصادية والخدمية لتوفير المناخ للانطلاق الاقتصادي، ومن ثم وبحسب مقولة الرئيس تأجل الإصلاح السياسي قليلاً، وأتى الحوار الوطني لكي يفتحه بين كل القوى السياسية والشبابية والنقابية والأهلية في المجتمع المصري. وقد بدا واضحاً للوهلة الأولى من دعوة الرئيس للحوار الوطني ومن مساره من حينها أن الهدف الرئيسي منه هو استعادة حضور شركاء ثورة 30 يونيو معاً من جديد، لكي يشاركوا في بناء “الجمهورية الجديدة”، كما شاركوا معاً في تأسيس قواعدها الشعبية والدستورية في هذه الثورة العظيمة.
لم تكن ثورة 30 يونيو قط تعبيراً عن اتجاه واحد في المجتمع المصري، وكان نجاحها الساحق أنها ضمت كل القوى والاتجاهات على اختلافها، بهدف واحد وهو تخليص الوطن مما كان يتهدده وإعادة بنائه من جديد.
وعندما يعود تحالف 30 يونيو بعد سنوات من تقطع الأواصر فيما بين مكوناته، تحت لافتة ومحتوى ونقاشات الحوار الوطني، فهو يعود محافظاً في وقت واحد، على تنوعه والاختلافات الطبيعية بين مكوناته، وعلى تماسكه حول مبادئ ثورته العظيمة في 30 يونيو وضرورة بناء الجمهورية التي تليق بها وبالشعب المصري العظيم.
إن “عودة الروح” إلى تحالف 30 يونيو في ذكراها العاشرة بانطلاق “الحوار الوطني”، ليست فقط لطمة مدوية أخرى تلقتها الجماعة الإرهابية تؤكد لها أن وهم وسراب العودة لحكم مصر قد بات في حكم رابع المستحيلات، بل وهي قبل هذا إشارة حقيقية وجادة إلى مستقبل مختلف وجديد وأفضل ينتظر أرض الكنانة وشعبها بما يستحقه وطال انتظاره.