سياسة

جهود إسرائيلية لعرقلة إعادة بناء الترسانة العسكرية الإيرانية


وسط حالة من الترقب والحذر، تصاعدت المخاوف الإسرائيلية من عودة إيران إلى ترميم ترسانتها العسكرية، وخاصة الصاروخية، في أعقاب الهجوم الإسرائيلي الواسع في يونيو/حزيران الماضي والذي عرف باسم “الأسد الصاعد”. ووفق تقديرات رسمية في تل أبيب، فإن طهران، رغم ما تعرضت له من ضربات عسكرية موجعة، بدأت فعليًا في مسار إعادة تأهيل قوتها الاستراتيجية. مما ينذر بجولة جديدة من التوتر الإقليمي وربما صراع مباشر في الأفق.

وفي تصريحات صدرت يوم الثلاثاء عن مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الإسرائيلية. أكد مدير عام الوزارة أمير برعام أن إسرائيل تتابع عن كثب ما وصفه بـ”محاولات إيران لإعادة بناء نفسها والانطلاق في جهود بناء قوة عالمية بعد العملية الأخيرة”. وأضاف خلال اجتماع موسّع مع رؤساء أربع شركات أسلحة إسرائيلية كبرى أن “الإنجاز العسكري ضد إيران في يونيو/حزيران لم يقضِ على التهديد الإيراني، بل ولّد تحديات أكثر تعقيدًا”.

الإنجاز العسكري ضد إيران لم يقضِ على التهديد الإيراني

وأشار برعام إلى أن “الوقت قصير وثمين”، داعيًا إلى تسريع خطة تسليح جديدة للعام المقبل والعقد الأمني القادم. وشارك في الاجتماع التنفيذيون من شركات “رافائيل”. و”إلبيت سيستمز”، و”تومر”، و”صناعات الفضاء الجوي”، وهي الجهات المعنية بإنتاج الأنظمة الدفاعية والهجومية الأكثر تطورًا في الترسانة الإسرائيلية.

وكانت إسرائيل، بدعم أميركي، قد شنت بين 13 و24 يونيو/حزيران الماضي، عملية عسكرية مركّبة ضد أهداف إيرانية، شملت منشآت نووية في نطنز وأصفهان وفوردو. ومقار عسكرية واستخبارية، إلى جانب استهداف عدد من العلماء والقيادات العسكرية الإيرانية.
وردّت طهران، في مشهد اعتُبر استثنائياً، بإطلاق صواريخ باليستية .وطائرات مسيّرة استهدفت مواقع داخل إسرائيل، بينها قواعد استخبارية وعسكرية. قبل أن تعلن الولايات المتحدة لاحقاً وقفاً غير رسمي لإطلاق النار بين الجانبين.
ورغم الضربات، يرى خبراء أمنيون في إسرائيل أن العملية لم تقضِ على البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل. بل قد تكون أخّرته فقط لعدة سنوات – أو ربما أشهر، وهو ما يفتح الباب أمام سباق تسلح إيراني محتمل.

ولا تقتصر المخاوف الإسرائيلية فقط على البرنامج النووي. بل تمتد إلى إعادة بناء الترسانة الصاروخية الإيرانية، التي تُعد العمود الفقري لقدرة طهران على الردع والهجوم في آن واحد. وتعتقد إسرائيل أن إيران ستسارع إلى تعزيز قدراتها الباليستية. وتطوير منظوماتها الدفاعية، بالتعاون مع شركاء تقنيين كروسيا والصين، وربما حتى كوريا الشمالية.
وتشير تقديرات المؤسسة الأمنية في تل أبيب إلى أن إيران باتت تنظر إلى مرحلة ما بعد “الأسد الصاعد” باعتبارها فرصة لإعادة تعريف دورها العسكري إقليميًا ودوليًا، في ظل ما تراه “تواطؤًا دوليًا” ضد أمنها القومي.
وفي هذا السياق، تستعد إسرائيل لإطلاق حملة دبلوماسية وأمنية مركزة في الولايات المتحدة وأوروبا لمنع إيران من إعادة تسليح نفسها. سواء عبر تقليص صادرات التكنولوجيا المزدوجة الاستخدام أو تشديد الرقابة على حركة الأموال والأدوات الحساسة التي قد تسهم في بناء صواريخ بعيدة المدى.

ومن المنتظر أن تطالب إسرائيل واشنطن بإعادة فرض حظر شامل على تصدير معدات وتقنيات معينة إلى إيران، حتى لو تم ذلك خارج إطار الاتفاق النووي المنهار. كما ستحاول تل أبيب استصدار تعهدات من حلفائها الأوروبيين بعدم التساهل في مراقبة الأنشطة التجارية والبحثية المرتبطة بالبرنامج الصاروخي الإيراني.
من الواضح أن “المعركة الكبرى” بين إيران وإسرائيل، رغم أنها انتهت عسكريًا. إلا أنها بدأت استراتيجياً، فبينما تعيد طهران بناء قدراتها. تحاول إسرائيل ترسيخ تفوقها النوعي والاحتفاظ بهامش الردع العسكري الكامل، خاصة في ظل تعدد الجبهات المفتوحة مع أطراف تدور في الفلك الإيراني، مثل حزب الله والحوثيين.
ويرى خبراء إسرائيليون أن “العدوان الأخير لم يكن إلا بداية لمرحلة جديدة من صراع الإرادات”. حيث تسعى إيران لفرض واقع جديد يستند إلى صواريخ دقيقة وأسلحة استراتيجية. فيما تسعى إسرائيل إلى حرمانها من هذه المزايا عبر الضربات الوقائية والضغوط الدولية.

وفي ظل هشاشة التهدئة الراهنة، واحتمال عودة التوتر في أي لحظة، لا يبدو أن إسرائيل ستسمح لإيران بإعادة بناء قوتها العسكرية من دون مواجهة. ومع استمرار تل أبيب في تعزيز شراكاتها الدفاعية مع واشنطن، فإن المؤشرات توحي بجولة جديدة من التوترات، ربما لا تكون بعيدة.
كما أن التزام إسرائيل المعلن بـ”منع إيران من امتلاك أدوات تهدد وجودها”، سيبقى المحرك الرئيسي لأي قرار سياسي أو عسكري في المرحلة المقبلة. خاصة إذا لم تؤدِ الضغوط الدولية إلى كبح طموحات طهران. وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، يبدو أن المنطقة تتجه نحو مرحلة جديدة من الاصطفافات. والمزيد من سباقات التسلح، في انتظار لحظة الانفجار المحتملة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى