اخترنا لكم

حرب أمريكا في أفغانستان انتهت.. لكن حرب أفغانستان لم تنته بعد

مينا العريبي


كما كان متوقعاً، تقدم مقاتلو حركة طالبان على قدم وساق في أفغانستان بينما يعلن قياديوهم الفوز تلو الآخر بعد الانسحاب الأمريكي من البلاد.

صحيح أن الانسحاب لم يكتمل كلياً، لكن القوات المتبقية، وتعدادها أقل من 600 جندي، بعضها لحماية السفارة الأمريكية والباقية تتمركز في مطار كابول، لن تقاتل إلا إذا هوجمت مباشرة.

ومقاتلو طالبان أذكى من أن يقوموا بذلك، فطالبان تستعد للسيطرة على أكبر جزء من البلاد عسكرياً، ومن بعدها تفاوض الحكومة في كابول، إلا إذا استطاعت أن تتقدم عسكرياً وأن تسيطر كلياً على البلاد دون مفاوضات سياسية.

الأشهر الثلاثة المقبلة في غاية الأهمية في تحديد مسار هذه الحرب، قبل أن يأتي الشتاء ويتوقف القتال حتى الربيع المقبل، حيث يقوم مقاتلو طالبان تقليدياً بشن هجماتهم العسكرية.

حرب أمريكا في أفغانستان انتهت، لكن حرب أفغانستان نفسها دخلت منحى جديداً.

وبينما تخطط الإدارة الأمريكية للإعلان عن انتهاء مهمة قواتها تزامناً مع الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، في الواقع أنها لم تنه المهمة العسكرية، بل غيّرتها، فبعد أن كانت الولايات المتحدة قد خططت لبناء دولة مدنية في أفغانستان ومنع طالبان من تولي مقاليد الحكم، اليوم تعلن واشنطن أن مهمتها مختصرة على ضمان عدم استخدام الأراضي الأفغانية لمهاجمتها أو مصالحها.

هذا هو جوهر ما اتفقت إدارتا الرئيس السابق دونالد ترمب وخلفه جو بايدن عليه مع قياديي طالبان في مفاوضات دامت لأكثر من عام، ولكنها لم تبال بمستقبل أفغانستان أو حتى المنطقة بعد انسحابها.

شهدت الأسابيع الماضية معارك دامية، تتصاعد يوماً بعد آخر، وفي خطاب أمام البرلمان، يوم الاثنين، حمّل الرئيس الأفغاني، أشرف غني، الأمريكيين مسؤولية تدهور الأمن في بلاده، قائلا: “السبب وراء الوضع الراهن هو أن القرار الأمريكي بالانسحاب كان مفاجئاً”.

وأوضح انه قد نبه الإدارة الأمريكية بأن الانسحاب “ستكون له عواقب”.

وبينما لوم “غني” للإدارة الأمريكية فيه جزء من الصواب، إلا أن فشل الحكومات الأفغانية على مدار العقدين الماضيين في إدارة الكثير من المدن والبلدات أدى إلى هذا الوضع أيضا.

فخارج كابول كانت الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية في غاية التعقيد بسبب الفساد وسوء الإدارة والتنافس بين السياسيين وتجار الحرب.

على سبيل المثال، تصنف منظمة “الشفافية الدولية” أفغانستان على أنها من أكثر الدول فساداً، وتصنيفها 165 من 180 دولة يتم رصد الفساد فيها.

وعلى الرغم من مليارات الدولارات من المساعدات المخصصة لأفغانستان، وثرواتها المعدنية، خاصة من الذهب واليورانيوم والمرمر، يعيش 47.3 في المائة من سكانها تحت خط الفقر.

مآسي الحرب في أفغانستان ستتكرر مع الموجة الجديدة من العنف.. بلدة تلو الأخرى تسقط بأيدي طالبان، أسماؤها معروفة عند من تابع حروب أفغانستان السابقة.

هذا الأسبوع، جاءت أخبار عن انتشار مقاتلي طالبان في “لشكركاه”، وهي عاصمة إقليم “هلمند” جنوب أفغانستان، على حدود باكستان.

كانت “لشكركاه” مركز وجود القوات البريطانية سابقا، وفيها عدد من القوعد العسكرية الأفغانية، والقتال في إقليم “هلمند” ليس جديدا، ولكن في السابق استطاعت القوات الأفغانية، بدعم من القوات الدولية، أن تسيطر على المراكز السكنية الرئيسية في البلاد.. هذا الأمر بات أصعب اليوم.

ومع صعوبة الموقف، وعدم قدرة القوات الأفغانية السيطرة على أرجاء البلاد كافة بمفردها، قررت الحكومة الأفغانية أن تختار مناطق معينة للدفاع عنها، وأن تترك أخرى.

فخلال الأسابيع المقبلة، ستتكاثر الأخبار عن سقوط قرى وبلدات في أيدي قوات طالبان، ولكن ستعمل القوات الأفغانية جاهدة على إبقاء سيطرتها على المدن الرئيسية والقواعد العسكرية التابعة لها.

طالبان ستزيد من جهودها للسيطرة على مواقع حساسة في البلاد، وقد نجحت فعلا في السيطرة على نقاط حدود مع إيران وطاجيكستان وتركمانستان وباكستان.

وبينما ستسعى “طالبان” إلى إظهار تقدمها العسكري على أنه دليل على شعبيتها، إلا أن عمليات النزوح الجماعية من أي منطقة تسيطر عليها الحركة المتطرفة تظهر عدم شعبيتها.

مقاتلو طالبان يذهبون من منزل إلى منزل، الرجال إما يقتلون أو يجبرون على القتال مع طالبان، كما يحتكرون المواد الغذائية والمعدات الطبية لمقاتليهم.

تقول الأمم المتحدة إنه خلال العام الماضي زادت نسبة نزوح الأفغان 101 في المائة، وإجمالي عدد النازحين من جراء القتال يتصاعد يوميا.

الأسبوع الماضي، قال مسؤولون أفغان إن 22 ألف أسرة فرت من قندهار خلال أيام بسبب المعارك، وخوفا من قدوم طالبان.
وبينما يشعر غالبية سكان أفغانستان بالخوف من طالبان، يقوم قياديو الحركة الإرهابية بمد الجسور دوليا، وهناك من يستقبلهم كرجال دولة على الرغم من أنهم لا يهتمون بدولتهم ولا يحترمون سيادتها.

من موسكو إلى بكين، ذهبت وفود من طالبان لتوصيل رسالة واضحة، أنها لا تنوي مهاجمة مصالح خارجية ولكن عازمة على السيطرة الداخلية بأي ثمن.

نية طالبان واضحة من الآن، ولكن هناك تجاهل دولي لتصرفاتها، ومهاجمتها مقر الأمم المتحدة في “هرات” الأسبوع الماضي دليل مقلق على أنها لا تحترم أي طرف آخر، لكن المثير أن بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان أصدرت بياناً يوم الأحد تطالب فيه طالبان بـ”القيام بتحقيق كامل وتزويدها بالأجوبة حول الهجوم على مقر الأمم المتحدة في هرات يوم الجمعة الماضي”.

أي تحقيق تريده الأمم المتحدة؟ هل تتوقع تقريرا مكتوبا من حركة قتالية متطرفة تشن هجمات منذ عقود؟

هذا التجاهل لواقع طالبان سيدفع ثمنه أولا الشعب الأفغاني، وثانيا أي طرف يسعى لإحياء مبادئ سيادة الدولة والقانون في أفغانستان.

نقلا عن الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى