الشرق الأوسط

حرب التسريبات الصوتية.. ماذا خلف الكواليس؟


حرب تسريبات يشهدها العراق خلال الآونة الأخيرة عدها محللون ضمن «صراع خفي» يشتعل بين القوى السياسية قبيل الانتخابات المرتقبة المقررة العام المقبل.

وكان أحدث تسريب من نصيب زعيم تحالف السيادة والقيادي في ائتلاف إدارة الدولة الحاكم خميس الخنجر الذي هاجم فيه نجل رئيس البرلمان الجديد محمود المشهداني واتهمه خلاله بالفساد.

ووفق التسريب المزعوم، فإن محادثة الخنجر كانت مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حيث طلب منه عدم إسناد منصب رئيس قسم الاستثمار في ديوان الوقف السني إلى عبدالباسط المشهداني.

وقال الخنجر في التسجيل الذي لم يتسن التحقق من مدى صحته: “دولة الرئيس لم أرد التحدث معك عن هذا الموضوع لأنه ليس في وقته، لكن أنا تحدثت معك مرتين أو ثلاث مرات عن الأوقاف، ولمحت لك عن وجود عمل على الأملاك، وأنا أوفقت الهدر ومنعت حصول أي شيء من خلال دكتور صديق الموجود حالياً على الاستثمار”.

وأضاف: “سمعت عن وجود تحرك من أجل عبد الباسط ابن محمود، وإذا أتى هذا الشخص، فهذا يعني سوف تكون هناك فضيحة لا مثيل لها، وفي حال استلام هذا الشخص الاستثمار، فأنا مضطر إلى إصدار بيان بأنني ليس لي علاقة وأرفع يدي، وأنا لا أريد التدخل في موضوع الوقف، لكي أبين للجمهور، لأني أعلم ماذا سيحصل، ستحصل سرقات لا يعلم بها إلا الله، وستكون فضيحة مدوية، وأعلم من الآن ما هي اتفاقاتهم، وهذه كارثة، لذلك أرجوك إيقاف هذا الموضوع”.

والأسبوع الماضي، تم نشر تسجيل صوتي منسوب إلى رئيس هيئة المستشارين في مجلس الوزراء العراقي، عبد الكريم الفيصل، يتحدث فيه عن أحد المشاريع الاستثمارية، وتطرق إلى استلامه مليون دولار، دون الإشارة إلى طبيعة المال الذي استلمه، فيما قال ناشطون إنها “رشوة” مقابل التوقيع على مجمعين سكنيين في بغداد هما مجمع الجواهري السكني ومجمع المتنبي.

وتتقاطع آراء العراقيين بشأن تسريب هذه المحادثات فيما يراها البعض بأنها منافسة عديمة الضمير وتثقل كاهل الحكومة، فيما يعدها آخرون بأنه طريقة صحيح لكشف فساد المسؤولين وما يدور خلف الكواليس بين الطبقة الحاكمة.

الحرب الانتخابية بدأت مبكراً

ووفق عضو البرلمان العراقي عن الإطار الشيعي النائب سعود الساعدي، فإن نشر هذه التسريبات والمحادثات الصوتية بين المسؤولين هي “منافسة سياسية عديمة الضمير تستهدف الحكومة والطبقة الحاكمة”.

وتوقع الساعدي أن تتزايد عمليات تسريب الملفات الصوتية للمسؤولين كلما اقتربنا من انتهاء عمر الحكومة الحالية وإجراء الانتخابات البرلمانية العام المقبل، معتبراً أن ما يحدث هو فيروس يجب القضاء عليه بمعالجات حكومية وأمنية قبل أن تهدد نظام الحكم.

بدوره، يرى عضو البرلمان عن التيار المدني “مصطفى الكرعاوي”، أن موضوع التسريبات مؤشر سلبي على العملية السياسية وأن الحرب الإعلامية والانتخابية بدأت مبكراً، معتبراً أن ما يجري من تسريبات هي “فيروس” يجب القضاء عليه.

وقال الكرعاوي ، “كما تظهر هذه التسريبات عدم تماسك الجهات الحكومية سواء التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية وهو مؤشر على أن هناك مشاكل كبيرة في الإدارة وقد تؤدي إلى مشاكل أكبر إذا استمرت هذه الشخصيات في مهامها”، منوهاً أن “العراق مقبل على تغييرات سياسية كبيرة من بينها الانتخابات البرلمانية”.

وأعرب عن أمله في أن يكون للقضاء دور حاسم في تطبيق القانون تجاه ظاهرة التسريبات، وقال “يجب ردع كل من تسول له نفسه في التورط في هذه الممارسات السيئة”.

وعند سؤاله عن سبب تزايد هذه التسريبات، قال “قد تكون هناك حرب إعلامية وسياسية بين الأطراف السياسية بسبب الخلافات على المكاسب وبالنتيجة هي حرب غير منصفة وغير عادلة ولا ترتقي للتعامل مع شرف الخصومة وأمانة الحديث بدأت تنضرب”.

استهداف سياسي؟

فيما قال المحلل والمراقب السياسي وأستاذ الإعلام بجامعة بغداد الدكتور علاء مصطفى “لا أعتقد أن هناك استهدافا سياسيا أو حرب تسريبات كل ما هناك أن هناك تسجيلات منسوبة لبعض الشخصيات وتم بثها على وسائل الإعلام، وهنا يأتي دور القضاء ليثبت البريء والمتهم تثبت إدانته”.

وأضاف “على العكس من ذلك، فإن الحكومة يجب أن تسعد عندما ترى أن هناك متابعة وتدقيقا لأعضاء الحكومة وبالتالي نرى أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد تفاعل مع مدير عام الضرائب (علي وعد علاوي) الذي أثار ضجة كبيرة، وقد أحاله السوداني إلى التحقيق وتعيين بديل عنه”.

وتابع “البعض يرى أنها تقلل من حجم طرف سياسي معين لتحقيق طموح سياسي وهذا الأمر ممكن، وأعتقد سبب البلاء هو وجود خلية تنصب”، لافتاً إلى أن “هناك خلية تقوم بذلك من حين إلى آخر”.

التبعات القانونية

من جهتها، ترى الخبيرة القانونية “هدى إحسان العبادي”، أن التبعات القانونية لهذه التسريبات كبيرة، مضيفة أنه “وفق المادة 438 من قانون العقوبات العراقي يعاقب كل من سرب حديثاً أو نشر أخباراً أو صوراً أو تعليقات تتعلق بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد بعقوبة السجن لمدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مئة دينار أو يتم دمج العقوبتين معاً كما يراها القاضي”.

وتضيف العبادي “وفق القانون لا يجوز التنصت أو تسجيل مكالمات الآخرين إلا بأمر قضائي، وما يجري اليوم هي مخالفات قانونية يجب على القضاء محاسبة المتورطين”.

من يقف خلفها؟

بدوره، كشف “ائتلاف النصر”، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، عن أهداف كشف بعض التسريبات الصوتية لبعض الشخصيات السياسية والحكومية.

وقال المتحدث باسم الائتلاف عقيل الرديني، في حديث صحفي، إن “ما يجري حالياً هو فعلا حرب فهناك (حرب تسريبات) لبعض الشخصيات السياسية والحكومية، والموضوع حالياً تقف خلفه جهات داخلية (لم يسمها)، والهدف من ذلك هو إسقاط سياسي في مقدمة للانتخابات المقبلة، كذلك ورقة ابتزاز سياسي لقضايا سياسية حول مكاسب وغيرها”.

وأضاف الرديني أن “حرب التسريبات فيها عمل وتدخل خارجي لبعض الأجهزة المخابراتية (لم يسمها) وغيرها، وربما التسريبات التي تقف خلفها أجندة خارجية تستخدم خلال المرحلة المقبلة، وتكون هي أخطر من التسريبات الحالية، وتستخدم ضد الحكومة والعملية السياسية في العراق، خاصة وأن العراق مخترق بشكل كبير وخطير”.

بداية التسريبات

بدأت حرب التسريبات في عام 2022 عندما أثيرت الضجة بشأن التسريبات الصوتية التي نُسبت لرئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، والتي هاجم فيها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وشخصيات سياسية شيعية وسنية وكردية، وحينها قرر القضاء إخلاء سبيله بكفالة، بعد مثوله أمام محكمة تحقيق الكرخ الثالثة.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، نقلت وسائل إعلام عراقية وسياسيين عراقيين، معلومات عن تورط موظفين حكوميين بـ”التجسس” على شخصيات سياسية، عُرفت باسم شبكة (محمد جوحي).

ووفق المعلومات فإن محمد جوحي كان يعمل في مكتب رئاسة الجمهورية قبل أن ينتقل بطلب رسمي إلى مكتب رئاسة الوزراء بعد وصوله السوداني إلى رئاسة الوزراء.

وهو ابن شقيق رائد جوحي مدير مكتب رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، لكن القضاء العراقي أعلن في بداية سبتمبر/أيلول الماضي أن المعلومات المتداولة بشأن قضية “جوحي” غير دقيقة، ولم تظهر حتى اللحظة أي معلومات جديدة عنها.

لكن معلومات حصلنا عليها في وقتها تشير إلى اعتقال جوحي بالإضافة إلى ضابط في جهاز المخابرات برتبة عقيد يعمل بمكتب رئيس الوزراء.

وفي 28 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بفتح تحقيق مع مدير هيئة الضرائب بسبب تسجيل صوتي.

وذكر بيان لمكتب السوداني أن الأخير وجه “هيئة النزاهة بفتح تحقيق عاجل بالتسريب الصوتي المنسوب إلى المدير العام للهيئة العامة للضرائب، وتقديم النتائج بوقت سريع، تأكيداً منه على مكافحة الفساد التي تمثل إحدى أهم أولويات البرنامج الحكومي”.

وتداولت وسائل إعلام محلية تسجيلاً صوتياً لرئيس الهيئة العامة للضرائب علي وعد علاوي وهو يقوم بالتحدث عن التلاعب الذي يقوم به في أموال الضرائب لحساب الشركات الخاصة مقابل أموال.

والأسبوع الماضي، تم تسريب ملف صوتي لرئيس هيئة المستشارين في مجلس الوزراء العراقي، عبدالكريم الفيصل، تحدث فيه عن مشروع استثماري، ويظهر فيه ممتعضاً لتسلمه مبلغ مليون دولار فقط.

ورغم إنكار مكتب رئيس الوزراء صحة التسجيل في الساعات الأولى من تسريبه، فإن هيئة النزاهة أعلنت فتحها تحقيقاً موسعاً للتأكد من صحة التسجيل، فيما مُنع الفيصل من السفر إلى خارج البلاد حتى انتهاء التحقيقات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى