حركة النهضة التونسية.. بين الفشل السياسي والفساد وتهديد استقرار البلاد
أخفقت تونس منذ عام 2011 في تحقيق الانطلاقة الاقتصادية المرغوبة، حيث توقفت الخطط والبرامج الموضوعة لدفع الاقتصاد إلى الأمام بسبب الاضطرابات السياسية.
وبدأت النزاعات الحزبية ومحاولات السيطرة على الدولة، إثر سقوط نظام الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي. وبفعل تأثير تداعيات موجة “الربيع العربي” التي عصفت بعدة دول عربية، بدت الطريق سالكة لحركة النهضة ذات الارتباطات الإخوانية للوصول إلى الحكم في مرحلة اتّسمت بهشاشة مؤسسات الدولة.
وبفوزها بالمرتبة الأولى في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011 بواقع 89 مقعداً من مجموع 217، تمكّنت حركة النهضة الإخوانية من السيطرة على مقاليد السلطة اتحقق غايتها المنشودة منذ إعلان نشأتها عام 1981 تحت اسم الاتجاه الإسلاميّ.
واستمرّت حركة النهضة في دواليب السلطة طوال عشرة أعوام، يلقبها التونسيون بالعشرية السوداء. حيث أدخلت البلاد في نفق مظلم، واستغلت السلطة لتحقيق مصالحها السياسية والإيديولوجية على حساب مصالح البلاد العليا والشعب التونسي الذي لم ينل منها سوى الأذى لما واجهه من خطر بسبب سياساتها.
مغانم للنهضة وتهديد للشعب
راكمت الطبقة السياسية عموماً وحركة النهضة خصوصاً فوائد ومغانم كثيرة مادية وسياسية، خلال فترة حكمها. حيث تعاقبت حكومات كثيرة على الحكم في فترات زمنية وجيزة. ولم يكن أغلب أعضائها بالكفاءة المطلوبة لخدمة مصالح الدولة والمجتمع، وتضخم عددهم بسبب الترضيات الحزبية، ما أضر بمصالح الدولة والمجتمع إذ تفككت السلطة وساءت داخلها أحوال المؤسسات والأجهزة. وباتت فاقدة للنجاعة المطلوبة وللقدرة على خدمة مصالح الناس. ما شكل في نهاية المطاف خطراً محدقاً بالأمن القومي للبلاد.
إقحام تونس في النزاعات الخارجية
عملت الحركة وخصوصاً رئيسها راشد الغنوشي على أن إقحام البلاد في سياسة المحاور الإقليمية والدولية. على خلاف ما دأبت عليه السياسة الخارجية للدولة التونسية. ما أدى إلى تراجع صورة تونس في المحافل الدولية سواء من حيث التدخل في شؤون الدول الأخرى وفق أجندات أيديولوجية إسلاموية أو من حيث تصدير الإرهابيين.
عمليات إرهابية واغتيالات سياسية
شهدت تونس على المستوى الأمني خصوصاً بين عامي 2011 و2016 عمليات إرهابية عدة زعزعت أمن البلاد واستقرارها. وكادت تعصف بكيان الدولة، لاسيما في أحداث عملية بن قردان التي حاول فيها الإرهابيون الدواعش إقامة إمارة إسلامية في المدينة الحدودية مع ليبيا. حيث تركت حركة النهضة، خلال ترؤسها السلطة التنفيذية في حكومتي الترويكا، المجال مفتوحاً دون رادع للجماعات السلفية والسلفية الجهادية (أنصار الشريعة خصوصاً) للنشاط الدعوي ولاستقطاب الشباب التونسي.
كما فسحت المجال لأذرعها الدعوية والجمعياتية على غرار الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فرع تونس لاكتساح الفضاء العام في بعديه الاجتماعي والتربوي. للقيام بمهمتي الدعوة والاستقطاب لإحداث التغيير المطلوب في العقليات والأفكار من أجل الهيمنة الأيديولوجية على المجتمع وفرض أسلمته على منهجهم الإخواني.
وتورطت الحركة في قضايا تتعلق بما يعرف بالجهاز السري، الذراع العسكري للنهضة، المكلف بالاغتيالات، حيث اتهم باغتيال المناضلين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. كما تورطت في تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر في دول أخرى كسوريا. وتعاظم دورها في تنامي الإرهاب في تونس والخروقات المالية. بعد أن تمكّنت من التغلغل داخل مؤسسات الدولة واختراق أجهزتها الأمنية والقضائية. وكانت في مأمن من المحاسبة على كل ذلك.
فشل اقتصادي ذريع
أما في المستوى الاقتصادي الاجتماعي فقد أخذت المؤشرات منحى تنازلياً خطيراً إذ فشلت الحكومات المتعاقبة في وضع سياسات تنموية تنهض بالقطاعات الاقتصادية المختلفة. وهو ما انعكس في تراجع جملة المؤشرات ذات العلاقة إذ بلغت نسبة النمو في عام 2020 8.8% سلبي، ونسبة التضخم 6.2%. ويشكو الميزان التجاري عجزاً بقيمة 1275.4 مليون دينار. وارتفعت نسبة البطالة إلى 17.9%. وبلغ العجز المالي في عام 2020 نسبة 11.5%. وتجاوز الدين العام نسبة 90% من الناتج المحلي الإجمالي. وباتت سيادة الدولة واستقلالية قرارها واختياراتها مهدّدة بفعل الارتهان للمساعدات الخارجية.
وقد كان لهذا الوضع الاقتصادي والمالي السيئ والعسير ارتدادات اجتماعية إذ كثرت الاحتجاجات بسبب غلاء الأسعار وتردّي ظروف المعيشة. وتفشي البطالة إضافة إلى تدهور الخدمات التي تقدمها الدولة الصحية والتعليمية وغيرها.. ويضاف إلى ذلك كله تفشي الفساد سياسياً وإدارياً واقتصادياً واستشرائه داخل مؤسسات الدولة وفي أجهزتها المختلفة.
بث الفوضى بعد السقوط
خوفا من تنظيم الانتخابات التشريعية يوم 17 ديسمبر المقبل كخطوة تنهي حقبة حكمها، تحاول حركة النهضة بخطاباتها العدائية وتهديداتها وزرع بذور الفتنة تدمير ما تبقى من البلاد.
وقال الغنوشي، أواخر الشهر الماضي، خلال خطاب ألقاه في محافظة بنزرت الشمالية، إنه سيقاوم هذا المسار. في إشارة إلى خارطة الطريق التي وضع ملامحها الرئيس قيس سعيد، بعودة الديمقراطية. مشددا على أنه يعول على الشارع وعلى حركة الشارع.
ويرى مراقبون أن حركة النهضة تسعى إلى التحريض على العنف من أجل تدمير البلاد عن طريق حشد أنصارها لانتزاع مساحة تفاوضية مع مؤسسات الدولة التونسية. خاصة في ظل حالة الرفض الشعبي الكبير لهم. ويعتقد الصحبي الصديق، المحلل السياسي التونسي، أن إخوان تونس يسعون إلى إفشال الانتخابات التشريعية المقبلة بأي طريقة. مرجحا استدعاء سيناريو العنف الذي مارسه الإخوان في مصر لتحقيق أهدافهم.
وأضاف الصديق أن حركة النهضة الإخوانية تعلم أنها أصبحت ملفوظة شعبيا. وهي مجرد رقم ضئيل في العملية السياسية لذلك اتجهت للتهديد. مشيرا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها الشعب على القتال الداخلي ليدفع بالبلاد إلى الحرب الأهلية في حال تم دحر الإخوان من تونس نهائيا والزج به في غياهب السجون.
واعتبر أن الإخوان هم الخطر الدائم. والذي لا تتوانى في تعرية وجهها الإرهابي كلما تراجعت شعبيتها وتقلص نفوذها صلب أجهزة الدولة.