اخترنا لكم

حركة “بندولية” لأسعار النفط

مجدي صبحي


اتسمت حركة أسعار النفط خلال شهر مارس/آذار الماضي بكونها حركة “بندولية”.

حيث استمرت ظاهرة الارتفاع والانخفاض في الأسعار خاصة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة. وكانت حركة الأسعار أيضا تتسم بالتذبذب الكبير نسبيا، حيث هبطت الأسعار من مستوى يقرب من 71 دولارا للبرميل من نوع خام برنت يوم 8 مارس، لتسجل أقل مستوى لها، وهو ما يقل عن 60 دولارا يوم 23 مارس، أي بانخفاض نسبي يبلغ 15%.

وكان هناك العديد من العوامل التي يعد بعضها أساسيا وبعضها الآخر ظرفيا في هذه الحركة البندولية في الأسعار.

عوامل تدفع نحو الانخفاض:

من ناحية انخفاض الأسعار كان هناك العديد من الأسباب وراء ذلك نذكر منها على سبيل المثال:

 تقدير وكالة الطاقة الدولية أنه ليس هناك دورة فائقة لأسعار السلع قريبا، وأن هناك عرضا وفيرا وطاقة إنتاجية عالمية فائضة كبيرة. والدورة الفائقة هي الدورة التي ترتفع فيها أسعار السلع الأساسية لفترة طويلة من الوقت قد تستغرق سنوات.

وكانت قد راجت آراء عقب تسجيل سعر برميل النفط من نوع برنت الخام نحو 70 دولارا للبرميل، إضافة إلى ارتفاع أسعار عدد آخر من السلع الآساسية بأن هناك دورة فائقة على وشك الحدوث، وأن هناك نقصا في العرض يلوح في الأفق، وعلقت وكالة الطاقة الدولية على ذلك في تقريرها الشهري قائلة إن البيانات والتحليل تشير إلى العكس من ذلك.

فحتى فبراير/شباط كانت الطاقة الفائضة لدى أوبك -مع استثناء إيران- تبلغ نحو 7.7 مليون برميل يوميا معظمها في منطقة الشرق الأوسط. أما الدول الأخرى غير الأعضاء في أوبك ولكن الشركاء في أوبك+ فلديها 1.6 مليون برميل يوميا من الطاقة الإنتاجية الفائضة، أي أن لدى أوبك+ وحدها 9.3 مليون برميل يوميا من الطاقة الفائضة يمكنها أن تضخ في السوق في المدى القصير، هذا بالطبع علاوة على الطاقة الإنتاجية الفائضة خارج أوبك+.

وقالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها السنوي والذي يتضمن توقعاتها لعام 2021 إن الطلب على النفط سيستغرق حتى عام 2023 حتى يعود لمستواه ما قبل الجائحة أي نحو 100 مليون برميل يوميا، ولكن “كوفيد- 19” كما تقول الوكالة سوف يؤدي إلى تغيير دائم في سلوك المستهلك، حيث ينتظر أن يكون الطلب على البنزين قد بلغ ذروته بالفعل.

وربما أكثر ما أناخ بثقله على حركة أسعار النفط كان الموجة الثالثة من الإغلاقات في أوروبا بعد تفشي موجة جديدة من الفيروس، حيث أشار الخبراء إلى أن بولندا تخوض في أسوأ نقطة لها فيما يتعلق بالجائحة، حيث أشارت تقارير إلى تسجيل أرقام قياسية من الإصابات. وقد أدى هذا إلى إعلان الإغلاق لمدة أسبوعين. وقد أعلن رئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافسكي أن “هناك خطوة واحدة فاصلة عن تخطي الحدود التي بعدها لن يكون بمقدورنا علاج مواطنينا”.

وكانت هناك إجراءات إضافية بالإغلاق في فرنسا، وهددت الحكومة بأنه ما زال يمكن لها أن تطبق إجراءات أشد.

وفي ألمانيا فرضت إغلاقات مشددة لمدة خمسة أيام تتضمن عيد الفصح، على الرغم من أنها راجعت بعض هذه الإجراءات بسبب غضب مواطنيها.

وفي إيطاليا فُرضت إغلاقات شملت البلد بكامله، وتتضمن عيد الفصح بسبب تفشي الوباء وارتفاع حالات الإصابة.

أضف إلى ذلك أن تعليق التطعيم بلقاح أسترازينيكا في أكثر من عشرة بلدان أوروبية قد أدى إلى تدهور الثقة في تعافي الطلب على النفط في أوروبا مع الاضطراب الذي أصاب عملية التطعيم في أكثر من بلد.

وتكبح هذه الإغلاقات الطلب على النفط في أوروبا، وهو ما طغى على العديد من الظروف الطارئة الأخرى التي كانت تدفع نحو ارتفاع الأسعار مثل تعطل حركة الملاحة في قناة السويس بعد أن جنحت سفينة بالقناة وأغلقت الممر المائي الحيوي.

العامل الثالث المهم هو ازدياد مبيعات النفط الإيراني “المهرب” إلى الصين. فقد توقع محللون أن تبلغ صادرات النفط الإيرانية إلى الصين مستوى قياسيا جديدا خلال شهر مارس. وطبقا لوكالة رويترز فإن الصين ستتلقى تدفقا كبيرا آخر من النفط الإيراني الرخيص الثمن والذي يدخلها على أنه “من مناشئ أخرى”، وهو ما يحد من الطلب على نفط باقي الموردين.

وطبقا لتحليلاتها فقد قدرت شركة “رفينتيف أويل ريسيرش”، أن يصل من إيران إلى الصين في مارس نحو 3.75 مليون طن من النفط الخام، وهو ما يعادل 27 مليون برميل أي ما يقرب من مليون برميل يوميا، متجاوزا الرقم القياسي السابق المسجل في يناير/كانون الثاني الماضي، والبالغ 3.37 مليون طن.

بينما من العوامل الظرفية التي دفعت نحو انخفاض الأسعار ارتفاع سعر صرف الدولار قبل اجتماع لجنة السوق المفتوحة لنظام الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) يوم 18 يناير الذي أدى إلى انخفاض طلب الدول صاحبة العملات الأخرى، حيث إن الدولار القوي يؤدي إلى رفع تكلفة النفط بالنسبة لهذه الدول.

وعوامل أخرى تدفع نحو الارتفاع:

أما في جهة ارتفاع الأسعار فقد شهدت حركة الأسعار ارتفاعا لفترة من الوقت استمرت حتى الأسبوع الأول من شهر مارس الماضي. وربما كانت أهم الدوافع وراء هذا الارتفاع الالتزام الشديد من قبل دول أوبك+ باتفاقها القاضي بخفض الإنتاج، أضف إلى ذلك خفض المملكة العربية السعودية بشكل تطوعي لإنتاجها بمقدار مليون برميل يوميا منذ بداية شهر فبراير/شباط الماضي، ثم تم الاتفاق على تمديد الخفض في بداية مارس ليشمل شهر أبريل/نيسان مع السماح بزيادات هامشية تبلغ 150 ألف برميل يوميا لكل من روسيا وكازاخستان لتغطية الطلب الداخلي أساسا.

أضف إلى هذا ارتفاع الطلب بشكل ملحوظ في كل من آسيا والولايات المتحدة الأمريكية ليصبح قريبا من مستويات الطلب قبل تفشي جائحة الكورونا.

وكان من العوامل الظرفية التي عملت على ارتفاع الأسعار بعد ميلها نحو الانخفاض هو تعطل حركة الملاحة في قناة السويس.

فقد كان هناك ما يصل إلى 10 ناقلات محملة بنحو 13 مليون برميل تأثرت بتوقف حركة المرور في قناة السويس، حينما جنحت سفينة وأغلقت القناة أمام مرور السفن. وتمر بالقناة يوميا 50 سفينة، وأي تعديل في حركة المرور ليتم الالتفاف حول القارة الأفريقية عبر رأس الرجاء الصالح يعني إضافة 15 يوما للرحلة ما بين الشرق الأوسط وأوروبا. ويتسبب ذلك في استخدام السفينة لمدة أطول بما يعنيه ذلك من زيادة في مصاريف الشحن في المدى القصير.

ويمر بالقناة نحو 12% من حركة التجارة العالمية، ونحو 9% من التجارة النفطية المحمولة بحرا ويشمل ذلك النفط الخام والمنتجات المكررة.

وفي اليوم الذي أغلقت فيه القناة أمام حركة الملاحة ارتفعت أسعار النفط بنحو 3% بعد أن كانت قد شهدت هبوطا في اليوم السابق. ثم عادت الأسعار للانخفاض مرة أخرى بعد أن تغلبت عوامل أساسية مثل توقع المزيد من انخفاض الطلب في أوروبا في أعقاب الإغلاقات على توقف حركة الملاحة في القناة. هذا ناهيك عن النجاح في تعويم السفينة الجانحة وعودة الملاحة في القناة بعد أسبوع مرة أخرى لينتهي أثر مثل هذا العامل الظرفي.

حركة أسعار النفط إذاً خلال شهر مارس لا سيما في الأسابيع الثلاثة الأخيرة منه تميزت بأنها حركة بندولية بين الارتفاع والانخفاض، نتيجة للعديد من العوامل الموضوعية وعوامل أخرى ظرفية طارئة. حيث تتأرجح الأسعار بين 60 و70 دولارا للبرميل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى