اخترنا لكم

حزب الشعوب و”فرمانات” أردوغان

خورشيد دلي


لا تتوقف حملات الاعتقال ضد حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا، إذ لا يمر أسبوع إلا ونسمع بحملة طالت العشرات من أعضاء وأنصار الحزب، وبمذكرات جديدة في البرلمان لرفع الحصانة عن نوابه، وبقرارات عزل لرؤساء بلديات فاز بها الحزب في الانتخابات المحلية، وكانت أخر هذه الحملات وأشدها، اعتقال 82 قياديا وسياسيا من الحزب قبل أيام، حيث تقول التقارير إن أكثر من خمسين ألفا من أنصاره باتوا في المعتقلات والسجون، وهذا ليس غريبا عن نظام أردوغان الذي يشن أوسع حملة اعتقالات منذ المحاولة الانقلابية المزعومة الفاشلة صيف عام 2016، إلى درجة أن العديد من المنظمات المعنية بالحريات وحقوق الإنسان باتت تطلق على تركيا صفة أكبر سجن للصحفيين في العالم. حجة الاعتقالات الأخيرة، جاءت على خلفية التحقيقات التي جرت بخصوص أحداث مدينة كوباني – عين العرب في سوريا عام 2014، عندما جرت فعالية شعبية في عدد من المدن الحدودية ضد الهجوم الذي قام به داعش على كوباني، وهو ما قوبل باستنكار من قبل أحزاب المعارضة والأوساط الحقوقية التركية، إلى درجة أن وزير العدل التركي الأسبق حكمت سامي ترك ذهب إلى السؤال عن السبب الذي دفع بالسلطات إلى الانتظار كل هذه السنوات، ولماذا لم يتم ذلك في وقتها حتى تكون الأدلة وشهود العيان قادرين على شرح تفاصيل ماجرى، ليستخلص إلى القول إن أوامر الاعتقال ضد الأكراد ليست قضائية وإنما سياسية تصدر عن السلطات العليا.

السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا، ما الذي يقف وراء الحملة المنهجية ضد حزب الشعوب الديمقراطي؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة للحياة السياسية التركية؟ وهل الحملة تنصب عليه لأنه يدافع عن حقوق الأكراد ويطالب بحل سلمي للقضية الكردية في تركيا؟ وأي معنى للانتخابات التي تجري في تركيا لطالما أن العقل السياسي السائد لا يقبل بنتائجها في الحياة العملية؟.

عندما تأسس حزب الشعوب عام 2012، كان في ظل الأجواء الإيجابية لمفاوضات العملية السلمية بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، وفي ظل قناعة من الحزب بأن القضية الكردية في تركيا هي قضية الديمقراطية، وأن هذه الديمقراطية تمر عبر أنقرة قبل دياربكر، وعليه ركز في نشاطه على الغرب التركي، إذ لم يكن عبثا عقد الحزب مؤتمراته العامة في أنقرة وإسطنبول، خلافا للأحزاب الكردية السابقة التي كانت تعقد مؤتمراتها في مناطق جنوب شرق البلاد، وتحديدا في دياربكر التي تعد عاصمة الأكراد في تركيا. وفي تكتيكاته التنظيمية، أدخل الحزب نموذجا جديدا لرئاسة الأحزاب في تركيا، إذ يترأس الحزب رجل وامرأة، وغالبا ما يكون أحدهم كرديا والآخر من قومية أخرى. لعله وبفضل هذه التكتيات نجح الحزب في الوصول إلى شرائح واسعة، تجسدت في فوزه الكبير في الانتخابات البرلمانية عام 2015، عندما حصل على قرابة 90 مقعدا برلمانيا، قبل أن يدعو أردوغان إلى انتخابات مبكرة، ويفقد الحزب قرابة ثلث الأصوات التي حصل عليها، حيث فهم الحزب أن الهدف من الانتخابات المبكرة كان وقف تقدمه، بعد أن اعتقد أن نتائجه أمنت الطريق له للمشاركة في الحكم والحياة السياسية، قبل أن تتحول معركة كوباني في سوريا إلى نقطة صدام بين أنصار الحزب وحكومة العدالة والتنمية، ومن ثم سجن الزعيم الأسبق للحزب صلاح الدين ديمرتاش وشن حملة اعتقالات كبيرة في صفوف قادته وأنصاره، ورغم كل ذلك حرص الحزب على عدم الانجرار إلى العنف، دون التنازل عن معارضته لحكم حزب العدالة والتنمية، والذهاب إلى عقد تحالفات مع أحزاب تركية معارضة لإسقاط حكم حزب العدالة والتنمية، كما حصل خلال الانتخابات البلدية الأخيرة.

في الواقع، تقول تجربة حزب الشعوب، إنه إذا أردت أن تعرف كيف تصبح الديمقراطية في الموقع المضاد للحرية، فما عليك إلا أن تتأمل في سلوك نظام أردوغان مع حزب الشعوب، فهذا الحزب الذي طرح نفسه نموذجا للتعايش بين الأتراك والأكراد والعرب وغيرهم في تركيا، وانتهج كل الطرق السلمية والآليات القانونية والدستورية في نشاطاته وممارساته، بات يختنق بقرارات أردوغان، ويتعرض إلى إقصاء ممنهج، إلى درجة أنه لم يعد يستطيع ممارسة أي نشاط حر، وهو ما يطرح سيناريوهات عن مصيره، على نحو: هل سيدفعه نهج الإقصاء إلى الانسحاب من البرلمان؟ أم أن السلطات التركية قد تلجأ إلى حله بأوامر قضائية؟ فالتحدي هنا، كيف سيمارس الحزب نشاطه في ظل كل هذا القمع، وإلى أي مدى يتوافق هذا النهج الإقصائي مع الديمقراطية كمفهوم له علاقة بالحرية والإرادة وتمثيل خيارات المجتمع، الخلاصة هنا، أن أردوغان يقول إن ما تستطيعون الحصول عليه في صناديق الاقتراع أستطيع إلغاءه بجرة قلم، وهو ما يكشف زيف الديمقراطية في تركيا وهشاشة اقتصارها على صندوق الانتخاب، فلا ديمقراطية حقيقية ما لم تقترن بالممارسة العملية.

نقل عن العين الإخبارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى