إن الأوضاع غير المستقرة في سوريا منذ عقد من الزمن تقريباً.
ألقت بظلالها دوماً على تعاطي الحكومة الإسرائيلية مع مستجدات سياسية وميدانية وأمنية لم تكن بالحسبان في يوم من الأيام، ضمن حدود الجار الشمالي الأكثر فاعلية في أحداث المنطقة سابقاً.
ومع وصول التمدد الإيراني في سوريا إلى ذروته، اتخذت مؤسسات صنع القرار العسكري الإسرائيلي قراراً واضحاً، يقضي بتكثيف الغارات الجوية على معسكرات الحرس الثوري الإيراني في سوريا، والمليشيات التابعة لإيران، سواء كانت لبنانية مثل حزب الله أو عراقية مثل الحشد الولائي، أو غير ذلك من الجنسيات الأخرى.
وقد وافقت روسيا على هذه الخيارات الإسرائيلية، واشترطت على تل أبيب عدة شروط تقنية ولوجستية، منها على سبيل المثال لا الحصر، إخبار غرفة التنسيق المشتركة بين الجانبين بزمان ومكان الغارات قبل وقوعها بساعة أو ساعتين، وعدم قصف مناطق يتداخل فيها الوجود الروسي مع الإيراني بسوريا، وعدم استهداف مواقع حساسة وسيادية تخص الدولة السورية في دمشق.
وقد انتقلت إسرائيل خلال العامين السابقين إلى مرحلة الكشف العلني والتصريح الإعلامي، حول تبنيها عمليات سلاح الجو الإسرائيلي، ضد أهداف إيرانية في سوريا، وهذا أمر غريب نوعاً ما، إذا ما تمت مقارنته بسياسة الكتمان العسكري الإسرائيلي المعروفة.
وجملة الأحداث الأخيرة في المنطقة، تجعل التكهن بطبيعة ردة الفعل الإسرائيلية على أي شيء يحصل في سوريا، مرتبطة كماً وكيفاً بما تقوم به إيران، وحتى الحادثة الأخيرة لاستهداف سفينة إيرانية قبالة سواحل مدينة بانياس السورية، تأتي كما يقول رئيس الأركان الإيراني في إطار ما سمّاه “الشغب الإسرائيلي”.
لكن إسرائيل الحليف الأقرب لأمريكا في المنطقة إن لم نقل في العالم، لها لوبي سياسي ضاغط وقوي في واشنطن، وأصدقاء أوفياء في مؤسسات صنع القرار الأمريكية المتعددة، ومن المؤكد أن لديها قراءة خاصة للشأن السوري ككل، لا سيما أن الجار الشمالي السوري يدخل عقداً جديداً من الصراع المحتدم، بين مصالح دول معروفة لها أتباع معروفون كذلك على الأرض، وحجم التنسيق بين روسيا وأمريكا إزاء سوريا شبه معدوم، بينما تتمتع تل أبيب بعلاقة متوازنة مع الدولتين بما يخص الملف السوري.
ومع أن الحكومة الإسرائيلية لا تعلق البتة على الملفات السياسية في سوريا، فإنها تستعد لاستقبال وفد أمريكي رفيع – كما تفيد بعض التسريبات – برئاسة بريت ماكغورك مبعوث الإدارة الأمريكية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومن المفترض إشباع الوضع السوري نقاشاً خلال جولة هذا المسؤول الأمريكي الذي يصل إلى المنطقة لأول مرة بعد تعيينه مطلع هذا العام، والقضية السورية ستكون حاضرة وبقوة في غرف الاجتماعات وبكل تفاصيلها المعقدة وغير القابلة للنشر أحياناً.
وبما أن سوريا على موعد جديد مع انتخابات رئاسية يحل فيها الرئيس الحالي بشار الأسد مرشحاً رئيسياً، فإن الجانب الإسرائيلي لن يكون بمعزل عن طبيعة التحديات التي تواجه سوريا في حال تأخر فرض جدول زمني لحل سياسي عادل وشامل.
ومع قدوم فصل الصيف كل عام تؤكد إسرائيل مجدداً أنها ليست بصدد فتح جبهة عسكرية تفضي لحرب جديدة في المنطقة، لكنها لا تخفي أبداً حرصها الشديد على الاستمرار في مشروعها الرامي لإنهاء جميع مظاهر الوجود الإيراني في سوريا.