حوار الإخوان “الوطني” بالمولوتوف
عندما دعت القيادة السياسية في مصر إلى حوار وطني وجهت الدعوة للأحزاب والقوى السياسية وليس للجماعات والتنظيمات الإرهابية.
تلك التي هُرعت إلى استصدار بيانات تُعلن خلالها الترحيب بهذا الحوار! رغم أن هذه القوى إرهابية وليست سياسية، ولا تعتمد الحوار صيغة لها وإنما يُشكل العنف أحد أهم أدواتها في التغيير.
لقد أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الحوار سوف يكون مفتوحًا دون تمييز وسوف يشمل الجميع دون استثناء، لكنه لم يذكر جماعة الإخوان الإرهابية، ولم يُشر إليها في هذا الحوار، لأنه معلوم بالضرورة أن هذه الجماعة تمارس الإرهاب، والدولة المصرية لا تتحاور مطلقًا مع من تلطخت أيديهم بدماء المصريين.
“الإخوان” من ضمن الجماعات التي أعلنت ترحيبها بالحوار الوطني، فهذا دأب الجماعة الإرهابية منذ نشأتها قبل أربعة وتسعين عامًا، تمارس العنف وتدّعي في الوقت نفسه إيمانها بالحوار السياسي!
ازدواجية الخطاب والتوجه دليل مكر التنظيم، الذي يمارس العنف ويتبرأ منه في الوقت ذاته بهدف خداع النّاس.
جماعة الإخوان الإرهابية مارست العنف من خلال المليشيات المسلحة، التي أنشئت لهذا الغرض، ومن خلال أعضائها المؤهلين نفسيًّا وتربويًّا وفقهيًّا لممارسة هذا العنف، فمنطلقات الجماعة الفقهية منحازة إلى التغيير بالقوة، حتى وإن كانت تقول خلاف ذلك.
حاولت جماعة الإخوان الإرهابية أن تخدع الناس بتوزيع بعض الأدوار على أعضائها، بمعنى أعطت المبرر الفقهي والشرعي لبعض أعضائها بممارسة العنف ودعمت هذا الدور، وبالتوازي أهّلت أعضاء آخرين لمهام دعوية، وقدّمت كل واحد فيما أرادت أن تخدع النّاس به.
السلطات المصرية وضعت “الإخوان” على قوائم الإرهاب، وذلك على خلفية الجرائم التي ارتكبوها بعد ثورة 30 يونيو عام 2013، والتي مارسوا فيها كل أشكال العنف بدءًا من التهديد به حتى إنشاء وتدشين المليشيات المسلحة، التي قتلت وفجّرت المصريين، وانتهاءً بتوفير الملاذات الآمنة لباقي الجماعات والتنظيمات المتطرفة.
التعامل مع جماعة الإخوان الإرهابية لم يقتصر على قرار سياسي ترجم مطالب شعبية بأن هذه الحركة تمثل خطرًا على البلاد، بعد أن قتلت أبناء مصر ونشرت العنف والفوضى في كل مكان، ولكن استند إلى الأحكام القضائية الصادرة في حق التنظيم وقادته، الذين أصبح الشعب أكثر وعيًا بخطرهم وإدراكًا لمؤامراتهم، ولن يسمح بعودتهم بأي صورة ولا تحت أي لافتة مهما كانت.
لم يعد مفهومًا موقف الإخوان المنحاز إلى العنف وطلبهم الحوار الوطني في الوقت ذاته! إلا إذا كانت “الجماعة” تعتقد أن الحوار سوف يكون مغموسًا بالمولوتوف.
ومع مَنْ يطلبون هذا الحوار؟
مع سلطة سياسية انقلبت الجماعة الإرهابية عليها وقاتلتها واستجدت الخارج عليها، سلطة أعلنت أكثر من مرة أن الموقف من “الإخوان” مبني على الجرائم التي ارتكبوها ضد شعب مصر والأحكام القضائية التي صدرت بحقهم، وموقف الشعب الذي ثار عليهم، فمَن يسمح للتنظيم بالعودة إذًا؟
لغة التنظيم كانت أقرب إلى الابتزاز ومحاولة استغلال دعوة القيادة السياسية في مصر للحوار مع القوى والأحزاب المدنية، فالجماعة الإرهابية التي أغلقت كل منافذ الحوار ورفعت الأسلحة شعارًا لها، وقتلت المصريين بدم بارد، هي التي تعلن ترحيبها بالحوار، رغم أنه لم توجه إليها أي دعوة، ولن يحدث.
اللافت أيضًا أننا نتحدث الآن عن أكثر من جماعة، وليست جماعة واحدة، بسبب الانشقاقات داخل التنظيم، وكل منها يُريد أن يفرض شروطًا قبل بدء الحوار الذي لم تُدْعَ إليه، ولن تُدعى إليه.
الإخوان لا يؤمنون بالحوار منذ بداية تدشين تنظيمهم على يد حسن البنا، الذي أنشأ جناحًا عسكريًّا للجماعة تحت اسم “النظام الخاص”، والذي قتل المصريين، وواجه التنظيم من خلاله السلطة التنفيذية والقضائية للبلاد بالعنف، فمن جرائم التنظيم على سبيل المثال تفجير محكمة استئناف القاهرة قبل أكثر من سبعين عامًا وتحديدًا في مطلع عام 1946.
كان موقف التنظيم واضحًا من القضاء وسلطته، فهم الذين قتلوا القاضي الخازندار، لمجرد أنه أصدر حكمًا قضائيًا أدان بعضهم، كما قاموا باغتيال رئيس الوزراء ووزير الداخلية الأسبق، محمود فهمي النقراشي، في بهو وزارة الداخلية في ديسمبر من عام 1948.. هذه لمحة عابرة من جرائم التنظيم في الماضي.
عنف الإخوان لم يقتصر على بدايات التنظيم ولكنه مستمر معها حتى الآن، فالجماعة ذاتها التي أنشأت جناحًا عسكريًّا في الماضي هي من قامت بتدشين مليشيات مسلحة بعد عام 2013، منها على سبيل المثال حركات “سواعد مصر.. حسم” و”لواء الثورة”.
“الإخوان” تنظيم يمارس العنف بصورة مدروسة، ولم يكن قراره بذلك عشوائيًّا حتى يمكنه الرجوع عنه، فقد طالبت أعضاءها بضرورة دفع “الصائل”/المعتدي على غيره، من خلال مواجهته بالعنف.
هذه هي الجماعة الإرهابية التي تطلب المشاركة في حوار وطني، في محاولة منها لإعادة إنتاج نفسها بعد أن سقطت سياسيًّا وأخلاقيًّا في الشارع العربي، وما عاد لها قيمة أو وجود حقيقي.