خطوة جديدة.. إسرائيل توسع مشاريعها الاستيطانية على حدود مصر

دشّنت إسرائيل مستوطنة جديدة قرب حدودها الجنوبية مع مصر، لتضع بذلك حجرًا جديدًا في مشروعها التوسعي الذي يتغذى على الأزمات الجيوسياسية في المنطقة. المستوطنة التي أقيمت على بُعد 11 كيلومترًا فقط من معبر كرم أبو سالم الحدودي، تمثل – وفق مراقبين – أكثر من مجرد توسع عمراني؛ إنها إعلان صريح عن توجّه استراتيجي يحمل في طياته تهديدات مباشرة للأمن القومي المصري في خضم الحرب المستعرة في غزة.
الاحتفال بتأسيس المستوطنة لم يكن عاديًا؛ فقد حضره وزير الزراعة والأمن الغذائي الإسرائيلي أفي ديختر، وهو شخصية أمنية بارزة تولّت سابقًا رئاسة جهاز الشاباك، ويشغل حاليًا عضوية في المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية (الكابينت). ديختر لم يُخفِ الطبيعة الأيديولوجية للمشروع، بل أكد في كلمته أن “العمل الزراعي هنا ليس مهنة، بل هدف صهيوني ورسالة حياة”، في إشارة واضحة إلى البعد العقائدي الذي يقف خلف إنشاء هذه المستوطنة على تخوم الأراضي المصرية.
تصريحات ديختر ورسائلها المشفرة أعادت إلى الأذهان أطروحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن “إسرائيل الكبرى”، وهو الحلم الذي لطالما تردّد في خطابات التيار الصهيوني المتطرف. ورغم أن هذا الحلم ظل لعقود في إطار الرؤية الأيديولوجية، إلا أن خطوات كهذه تعيد فتح الملف وتثير تساؤلات حقيقية حول نوايا إسرائيل التوسعية في الجوار المباشر، وخاصة سيناء التي خاضت مصر من أجلها حروبًا ضارية.
الموقع الجغرافي للمستوطنة الجديدة لا يمكن اعتباره تفصيلًا عرضيًا. فهي تقع في نطاق بالغ الحساسية، يشرف على بوابة التجارة الأساسية بين غزة ومصر، وتُطل عمليًا على خاصرة سيناء. مثل هذا التمركز الإسرائيلي على مقربة من الحدود قد يغير موازين القوى الأمنية، ويعزز قدرة إسرائيل على مراقبة – وربما التأثير في – النشاط الحدودي المصري.
وإذا نظرنا إلى السياق الإقليمي الأوسع، فإن هذه الخطوة تأتي في توقيت بالغ التعقيد؛ حيث تشهد المنطقة تصاعدًا في المواجهات العسكرية، خصوصًا في غزة وجنوب لبنان وجنوب سوريا وحتى اليمن، ما يدفع كثيرين للتساؤل: هل تسعى إسرائيل إلى استغلال انشغال العرب بالأزمات الداخلية لتثبيت وقائع جديدة على الأرض؟
بالنسبة لمصر، لا يُنظر إلى المستوطنة باعتبارها قضية “إسرائيلية داخلية”، بل باعتبارها تطورًا استراتيجيًا يفرض على الدولة المصرية إعادة تقييم معادلات الأمن القومي في سيناء. لقد وضعت القاهرة خلال العقد الماضي جهودًا ضخمة في محاربة الإرهاب في تلك المنطقة، وتثبيت الاستقرار فيها. غير أن التمدد الإسرائيلي على أطراف الحدود يفتح بابًا جديدًا للتهديدات، ليس بالضرورة من الجانب الإسرائيلي المباشر، بل من خلال ما قد تخلقه تلك المستوطنة من توترات، اختراقات أمنية، أو حتى تغييرات ديموغرافية مدروسة.
ويرى خبراء أن السماح ببناء مستوطنات في هذه النقطة الجغرافية الحساسة ينطوي على رغبة إسرائيلية في إعادة رسم الحدود الأمنية جنوبًا، وخلق أمر واقع جديد يُمكّنها من ممارسة نفوذ غير مباشر على الحيز الحدودي الحيوي لمصر.
المستوطنة الجديدة ليست مجرد قرية زراعية كما يروج لها الخطاب الرسمي الإسرائيلي، بل حلقة في سلسلة من المحاولات التي تهدف إلى تثبيت وجود دائم وقابل للتمدد في مناطق حساسة. وربما لا يمكن فصل هذه الخطوة عن الخطاب المتكرر لبنيامين نتنياهو بشأن ضرورة “استعادة الأرض التاريخية” ومفهوم ” إسرائيل الكبرى”.، وهو التعبير الذي يفتح الباب لتفسيرات تتجاوز حدود 1967.
من هذا المنظور، فإن المستوطنة تشكل جرس إنذار حقيقي لصناع القرار في القاهرة، إذ أن المشروع الاستيطاني لا يهدد فقط الفلسطينيين، بل يحمل في طياته ارتدادات قد تطال دول الجوار، وخاصة حينما يرتبط بالمفاهيم الأيديولوجية التوسعية.
في ضوء هذه التطورات، يتعيّن على مصر – ومعها القوى العربية الفاعلة – أن تتعامل مع المسألة بوصفها تجاوزًا جديدًا للمحددات الجغرافية والسياسية التي ضمنت استقرار الحدود لعقود. فالمسألة لم تعد مجرد بناء مستوطنة، بل اختبار حقيقي لقدرة المنطقة على الوقوف في وجه مشروع لا يعترف بحدود، ولا يكف عن إعادة تعريف الجغرافيا على أسس أيديولوجية.