عندما نُحلل مسار الجماعة الإرهابية بوكو حرام “داعش في غرب أفريقيا”، منذ عام 2018.
ندرك أنها قصة متواصلة من العنف والموت، ليس فقط للمدنيين والعسكريين في منطقة بحيرة تشاد، ولكن أيضاً داخل هيئتها القيادية.
في 31 يناير/كانون الثاني المنصرم، عيّن أعضاء مجلس شورى بوكو حرام، أمير أبو داود، قائداً جديداً لهم، ليحل محل أمير أبّا جانا، المعروف أيضاً باسم با لاوان، وتعود أسباب هذا التغيير إلى أنه قبل شهر واحد فقط، عيّن با لاوان زعيم بوكو حرام أو داعش في الغرب الأفريقي، عليّ شيكاو حاكماً جديداً لمنطقة بحيرة تشاد، ليحل محل الأمير السابق غوني ماينا، “الذي قُتل على يد الجيش النيجيري في 1 ديسمبر/كانون الأول الماضي”. لم يكن تعيين عليّ شيكاو مناسباً لقطاع كبير من قادة بوكو حرام، ما أدى إلى الانجرار إلى حمّام دم داخل التنظيم بهدف الوصول إلى السلطة.
وقاد الزعيم الجديد للتنظيم، أبو داود، الهجوم على قاعدة عسكرية تشادية في مارس/آذار الماضي، ما أسفر عن مقتل أكثر من 90 جندياً. ودفع هذا الهجوم الرئيس التشادي إدريس ديبي إلى شن عملية “بوما وراث” ضد داعش/بوكو حرام، والتي قُتل فيها أكثر من 1000 إرهابي.
كل هذه التمردات داخل هيكل تنظيم داعش في غرب أفريقيا “بوكو حرام” تسبقها دائماً بعض الهزائم للإرهابيين على يد جيوش النيجر ونيجيريا وتشاد والقوة متعددة الجنسيات، وتؤكد هذه التفاصيل أهمية استمرار الضغط على قيادة بوكو حرام/داعش.
أما عن مصير زعيم بوكو حرام السابق، با لاوان، فلا توجد أخبار عنه في الوقت الحالي، لكن لا يمكن استبعاد ظهوره على رأس فصيل جديد من المجموعة بالقرب من بحيرة تشاد. لا ينبغي أن نستغرب أي شيء في مسيرة جماعة داعش في غرب أفريقيا، التي اتفقت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مع عدوها السابق، فصيل شيكاو “بوكو حرام”، لتنفيذ هجمات مشتركة حتى يناير/كانون الثاني 2021.
في الآونة الأخيرة، استقالت القيادة العسكرية النيجيرية المكرسة لمحاربة الإرهابيين، ما أفسح المجال لقادة آخرين لديهم خبرة واسعة في القتال ضد داعش في غرب أفريقيا “بوكو حرام”. هؤلاء القادة الجدد متخصصون في استخدام تقنية “عين الصقر”، التي تحقق نتائج عظيمة في الحرب على الإرهاب.
ويبدو أن جماعة داعش/بوكو حرام لا تُعير اهتماماً للفاعلية التي تظهرها الوحدات القتالية الجديدة في بحيرة تشاد، فهي -أي داعش- تبتكر باستمرار وتتكيف مع الظروف. وقد تأكد وصول مرتزقة أجانب “نحو 300” منذ أغسطس/آب الماضي، وصفتهم مصادر محلية بأنهم “رجال ذوو بشرة فاتحة”. ومن المعروف أنهم أتوا من مالي، حيث تلقوا تدريبات عسكرية على يد فصيل داعش في الصحراء الكبرى. ويوضح لنا ذلك أن جماعة بوكو حرام في نيجيريا “بحيرة تشاد” أو في مالي والنيجر لا تجد صعوبة تذكر في تجنيد مقاتلين جدد، وهو ما يجعل من شبه المستحيل الحديث عن نهاية هذا الصراع على المديين: القصير أو المتوسط.
بفضل المعلومات الاستخباراتية في المنطقة، تكشّف أن الإرهابيين يتلقون مواد أولية لتصنيع الزوارق. إنهم يتجهون لاستخدام الطرق النهرية في عملياتهم اللوجستية الميدانية لنقل المقاتلين وتهريب الأسلحة والذخيرة والأغذية والوقود. ويسيطر الإرهابيون على تجارة صيد الأسماك في منطقة بحيرة تشاد، ويجمعون الضرائب من التجار والصيادين المحليين في الكاميرون والنيجر وتشاد ونيجيريا، وهو ما يمثل مصدر تمويل لهم.
إن تقنية “عين الصقر” تجعل من الممكن متابعة هذه الأنشطة الإرهابية وتنفيذ عمليات ذات أهمية مزدوجة، كما رأينا في السابق. فمن ناحية، تُضعِف بوكو حرام من الداخل، ومن ناحية أخرى تتسبب في إحداث تأثير مدمر ذاتياً على قيادة المنظمة الإرهابية.
ومن بين التكتيكات الجديدة للإرهابيين، تم الكشف أيضاً عن أنهم يستخدمون الفتيات والنساء كجاسوسات للتنظيم، ويتم ذلك في المناطق التي يجد المخبرون السابقون صعوبة في الوصول إليها بهدف جمع المعلومات حول الأنشطة الأمنية والعسكرية.
حرب بحيرة تشاد هي حرب مُغيّبة لأنه لا يتم الحديث عنها كثيراً، ولا تظهر في وسائل الإعلام، ويُشير تِعداد سكان نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون البالغ 260 مليون نسمة، والذي يستمر في النمو بشكل كبير، إلى أن ما يحدث حتى الآن سيكون بسيطاً مقارنة بما ستكون عليه الحال بحلول عام 2040 إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء.