الشرق الأوسط

دعوات حكومية وأمنية لتقييد سفر الشباب العراقي إلى الخارج


 في ظل الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، تتصاعد في العراق مخاوف رسمية وحقوقية من تنامي ظاهرة تجنيد الشباب العراقي للقتال في صفوف الجيش الروسي، وهو ما أعاد إلى الواجهة دعوات لتقييد السفر إلى موسكو، بعد تزايد المؤشرات على استدراج شبان عبر وعود العمل والدراسة أو الإغراءات المالية، قبل زجّهم في جبهات قتال دامية خارج البلاد.
وتحذّر منظمات حقوقية من أن هذه الظاهرة لم تعد حالات فردية معزولة، بل باتت تأخذ طابعًا مقلقًا يهدد شريحة واسعة من الشباب العراقي، في ظل غياب أرقام دقيقة تكشف الحجم الحقيقي للمنخرطين في الحرب الأوكرانية. ويؤكد ناشطون أن القصص التي تتناقلها العائلات عن مقتل أو إصابة شبان عراقيين في ساحات القتال الروسية تتكرر بشكل شبه يومي، ما يعكس خطورة الوضع الإنساني وتداعياته الاجتماعية.
وفي هذا السياق، دعا مركز العراق لحقوق الإنسان الحكومة العراقية إلى اتخاذ قرار استثنائي يقضي بتقييد السفر إلى روسيا، وعدم السماح به إلا في الحالات الضرورية والموثقة. واعتبر رئيس المركز علي العبادي أن استمرار تدفق الشباب العراقي إلى مناطق النزاع يمثل نزيفًا بشريًا لا يمكن الاستهانة به، مشددًا على أن حماية الأرواح يجب أن تكون أولوية قصوى أمام أي اعتبارات أخرى.
وأشار العبادي لموقع ” بغداد اليوم” إلى أن غياب الرقابة الصارمة على أسباب السفر فتح الباب أمام شبكات تجنيد تنشط بشكل واسع، لا سيما عبر منصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها تطبيق “تلغرام”، حيث يتم استدراج الشباب بوعود فرص عمل برواتب مرتفعة أو تسهيلات دراسية، قبل أن يجدوا أنفسهم في معسكرات تدريب أو خطوط مواجهة عسكرية. ولفت إلى أن تصريحات رسمية صادرة عن مسؤولين روس، من بينهم السفير الروسي في بغداد، أكدت وجود عراقيين يقاتلون في صفوف القوات الروسية، وهو ما يستدعي تحركًا عاجلًا من السلطات العراقية.
وتزايد الجدل بعد تداول أنباء على مواقع التواصل الاجتماعي عن انخراط أعداد كبيرة من العراقيين في الحرب، وسط تضارب في المعلومات وغياب الشفافية. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كشف السفير الروسي في العراق، ألبروس كوتراشيف، أن موسكو تلقت طلبات من آلاف العراقيين للانضمام إلى الجيش الروسي، لكنها رفضتها رسميًا لعدم وجود إطار قانوني يسمح بتجنيد أجانب، وهو تصريح فتح الباب أمام تساؤلات حول الجهات التي تسهّل وصول هؤلاء الشبان إلى ساحات القتال.
وتشير تقارير إعلامية إلى وجود وسطاء محليين يتبعون ميليشيات نافذة في مدن عراقية عدة، مثل بغداد والبصرة والنجف، يقدمون عروضًا مغرية تشمل رواتب شهرية تصل إلى ألفي دولار أو أكثر، إلى جانب وعود بالحصول على إقامة دائمة أو حتى الجنسية الروسية. وتبدو هذه الإغراءات كبيرة في بلد يعاني فيه الشباب من معدلات بطالة مرتفعة وتراجع في الفرص الاقتصادية، ما يدفع البعض إلى المجازفة بحياته بحثًا عن مصدر دخل أو مستقبل أفضل.

الميليشيات شاركت في عمليات التجنيد
الميليشيات شاركت في عمليات التجنيد

ويربط مراقبون بين تفشي هذه الظاهرة وبين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في العراق، معتبرين أن اليأس وانسداد الأفق أمام فئات واسعة من الشباب يشكلان أرضية خصبة للاستقطاب. كما حذرت تقارير من المخاطر الكبيرة التي يواجهها المقاتلون الأجانب، حيث يتم الدفع بهم في كثير من الأحيان إلى الخطوط الأمامية، وسط معدلات مرتفعة من الإصابات والوفيات، فضلًا عن عقود يصعب فسخها، ما يجعل العودة إلى الوطن مهمة شبه مستحيلة.
وتضيف هذه التطورات عبئًا سياسيًا وقانونيًا على حكومة محمد شياع السوداني، التي وجدت نفسها أمام ملف حساس يتداخل فيه البعد الإنساني مع الأمني والدبلوماسي. وقد أصدرت السفارة العراقية في موسكو تحذيرات مباشرة للشباب من الوقوع في فخ الاستدراج، في إشارة واضحة إلى عدم وجود غطاء رسمي عراقي لأي مشاركة قتالية في الحرب الأوكرانية.
ويرى محللون أن استمرار هذه الظاهرة دون إجراءات رادعة قد يفاقم أزمات داخلية أخرى، ويضع العراق أمام تحديات قانونية وأمنية إضافية، ما يجعل تقييد السفر، وتشديد الرقابة، وتحسين الأوضاع المعيشية للشباب، خطوات ضرورية لوقف نزيف الأرواح ومنع تحويل الحاجة الاقتصادية إلى بوابة لحروب لا علاقة للعراق بها

زر الذهاب إلى الأعلى