دمشق وقسد تتوصلان إلى تفاهم بشأن إخلاء مدنيين من الهول

تشهد الساحة السورية تحولات نوعية في التعاطي مع ملف المخيمات والسجون التي تضم عناصر وأسر تنظيم “داعش“. حيث تسعى الحكومة السورية بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة إلى وضع نهاية لهذا الملف الشائك .الذي شكّل لسنوات إحدى أبرز المعضلات الأمنية والإنسانية في البلاد.
-
مسؤولون أمريكيون يحذرون من عودة داعش في سوريا
-
ماذا تبقى من داعش في سوريا؟ تحليل مخاطر العودة والنفوذ
ويأتي هذا التحول في إطار اتفاق تم التوصل إليه. مؤخرًا بين ممثلين عن الحكومة السورية والسلطات الكردية في شمال شرق سوريا، وبمشاركة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. يهدف إلى تسريع عملية إجلاء المواطنين السوريين من مخيم الهول، الذي يعد من أكثر المخيمات تعقيدًا في المنطقة.
ويضم المخيم ما يزيد عن 37 ألف شخص. أغلبهم من النساء والأطفال السوريين المرتبطين بمقاتلي تنظيم “داعش“، إلى جانب أعداد من الأجانب والعراقيين الذين توافدوا إلى سوريا خلال فترة سيطرة التنظيم على مناطق شاسعة من البلاد. ويعيش قاطنو المخيم في ظروف إنسانية صعبة. بحسب تقارير منظمات حقوق الإنسان، التي طالما دقت ناقوس الخطر بشأن أوضاع الاحتجاز والانفلات الأمني والعنف الداخلي.
-
واشنطن تعيد عائلة أميركية من معسكرات داعش في سوريا
-
فرنسا تواصل حربها ضد داعش في سوريا: ضربات دقيقة على أهداف محددة
وفي تصريح رسمي، أوضح شيخموس أحمد، المسؤول في الإدارة الذاتية الكردية، أن الاتفاق مع دمشق ينص على “آلية مشتركة” لإعادة العائلات السورية إلى مناطقهم. سواء في المناطق التي تسيطر عليها الإدارة الكردية أو تلك الخاضعة للحكومة المركزية. وأضاف أن اللقاء الذي جمع وفدًا من التحالف الدولي بممثلي الحكومة والإدارة الذاتية أسفر عن توافق مبدئي حول خطوات إعادة الدمج .والإجلاء الطوعي، دون الحديث في الوقت الراهن عن تسليم الإدارة المباشرة للمخيم إلى الحكومة السورية.
الاتفاق مع دمشق ينص على آلية مشتركة لإعادة العائلات السورية إلى مناطقهم
والاتفاق الجديد يُعدّ خطوة أولى ضمن رؤية أوسع أطلقتها الحكومة السورية المؤقتة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وتهدف إلى توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية في البلاد بعد سنوات من الانقسام والنزاع. ووفقًا لمصادر مطلعة. فإن الاتفاق الذي أُبرم في مارس/آذار الماضي بين الحكومة المؤقتة وقوات “قسد” يتضمن عدة بنود استراتيجية، من بينها دمج هذه القوات ضمن التشكيلات العسكرية الوطنية الجديدة، إلى جانب إعادة السيطرة الحكومية على المعابر الحدودية. والمطارات، وحقول النفط، والسجون في الشمال الشرقي.
ومن أبرز ما يشمله هذا الاتفاق كذلك، وضع السجون. التي تضم حوالي 9 آلاف معتقل يشتبه بانتمائهم إلى تنظيم “داعش” تحت إدارة الحكومة المركزية. ويُنظر إلى هذا البند باعتباره خطوة أساسية لمعالجة التهديد الأمني الذي تمثله هذه السجون، خصوصًا مع تكرار محاولات الهروب وأعمال التمرد داخلها خلال السنوات الماضية.
وتؤكد مصادر حكومية في دمشق أن المباحثات مع “قسد” تمت في أجواء إيجابية. وأن هناك تفهمًا مشتركًا لأهمية التعاون في هذه المرحلة الحساسة. بما يضمن وحدة الأراضي السورية واستقرارها الأمني. وتُشدد هذه المصادر على أن معالجة ملف داعش، بما في ذلك المخيمات والسجون، هي أولوية وطنية، وأن الحكومة لن تدخر جهدًا في سبيل إعادة تأهيل من يمكن دمجهم في المجتمع. ومحاكمة من تثبت إدانتهم بجرائم إرهابية.
وفي المقابل، يبرز دور الولايات المتحدة كجهة ضاغطة لتسريع تنفيذ هذا الاتفاق. خاصة فيما يتعلق بتسليم إدارة السجون والمخيمات إلى الحكومة السورية. ورغم تباين المواقف السياسية بين دمشق وواشنطن، فإن الملف الأمني يحظى بتوافق ضمني يتيح للأطراف التنسيق على الأرض بما يخدم مصالح الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب.
ويُذكر أن الآلية التي تم العمل بها خلال السنوات الماضية، سمحت بإعادة بعض السوريين الراغبين بمغادرة مخيم الهول إلى مجتمعاتهم المحلية ضمن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية. غير أن غياب التنسيق مع الحكومة المركزية كان يمثل عقبة أمام إعادة البعض الآخر. ممن تتواجد عائلاتهم في مناطق خاضعة لسيطرة الدولة.
-
تقرير : داعش لا يزال يشكّل تهديداً فعلياً ويسعى لاستغلال عدم الاستقرار في سوريا
-
مقتل «أحد أخطر الإرهابيين بالعالم».. «والي داعش» في سوريا والعراق
ويعتقد أن الاتفاق الأخير يمثّل تطورًا نوعيًا نحو حل نهائي لمأساة آلاف العائلات. إذ من شأنه فتح المجال أمام خطط منظمة لإعادة الدمج. وتوفير برامج دعم نفسي واجتماعي خاصة للأطفال والنساء المتضررين من تجربة العيش تحت سيطرة “داعش“. فضلًا عن تقليل العبء الأمني على القوات المحلية والدولية العاملة في سوريا.
وتبقى التحديات قائمة، خاصة في ظل بطء تنفيذ بعض بنود الاتفاق. والتباين بين الأطراف في أولويات التنفيذ. لكنّ المؤشرات الحالية توحي بوجود إرادة سياسية جدية لدى مختلف الأطراف المعنية لإنهاء هذا الملف المؤلم، الذي طالما كان بؤرة لتجدد التوترات والتهديدات في شمال شرق سوريا.
وفي ضوء هذه التطورات، يتطلع كثيرون إلى مرحلة جديدة قد تفتح الباب أمام تسوية أوسع في سوريا، تعيد للدولة المركزية دورها الكامل. وتضع حدًا لأحد أخطر تركات الحرب السورية المستمرة منذ أكثر من عقد.