في منتصف الثمانينيات تم اختياري كطالب جامعي لحضور فعالية تنظمها وزارة الخارجية الأمريكية ضمن مشروع الزائر الدولي.
وكان هذا المشروع من أفضل البرامج لتقديم الولايات المتحدة للعالم. وعند وصولي إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، التقيت بزملاء عرب تم اختيارهم لتمثيل دولهم في هذا البرنامج. وما زلت أتذكر كلمة الشاب العربي الذي كان يمثل، آنذاك، دولته العربية الاشتراكية، عندما قال للجهة المنظمة: “أنا أعرف أن أجندتكم الخفية تريد زعزعة الفكر الاشتراكي لديّ، كي أتبنى الفكر الرأسمالي، لكني بكل صراحة أقول لكم إن مصيركم الفشل”.
في البرنامج زرنا الكثير من المؤسسات الأمريكية مثل الكونجرس، العديد من الجامعات ومراكز الأبحاث، في نهاية البرنامج خرج الجميع مقتنعاً بالتجربة الأمريكية، وشمل ذلك العربي الاشتراكي الذي قال بعد أن ذاق الحسن الأمريكي: شكراً لكم، لقد فهمت التجربة الأمريكية بعمق، وأصبحت مؤمناً بها. بعد هذه الزيارة انهار الاتحاد السوفييتي عام 1991م، وبرز نجم واحد في الصعيد العالمي هو الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت النظام العالمي الجديد. تذكرت ما سبق ونحن نعيش عهداً أمريكياً جديداً، ربما يكون بداية أفول هذا النجم أنه لم يتسابق حكماء ذلك العالم لإنعاش ذلك الحلم الذي نجح بسبب الديمقراطية، وربما تكون الديمقراطية الجديدة مؤذنة بزواله، فما هي الديمقراطية الجديدة؟
الديمقراطية كما قال إبراهام لينكولن: “حكم الشعب من قبل الشعب من أجل الشعب”، إنها في أبسط معانيها حكم الشعب لنفسه، باختيار من يمثله لتحقيق الأهداف العامة للدولة، وإن لم ينجح ذلك الفريق في مهمته، يقوم الناس بالطرق القانونية باستبداله بمن هو أفضل منه لتحقيق المراد من الغايات. فماذا جرى لتلك الديمقراطية عبر الزمن، وهل أضحت فعلاً تحقق أهداف الشعوب!
الديمقراطية في الولايات المتحدة باتت تحقق أهداف جماعات الضغط، ومن حق كل إنسان في إطار القانون إنشاء جماعة ضغط تمثل الفكرة التي يؤمن بها، فهناك جماعات مرتبطة بحقوق الناس، وأخرى يمثلون مصانع السلاح، وغيرها للأقليات وهكذا، كل ما يخطر في بالك من فكرة هناك جماعة ضغط أمريكية تمثلها للتأثير على صانع القرار الأمريكي. وتطورت بعض هذه الجماعات حتى أصبحت الصوت الأقوى الذي يؤثر في صناعة القرار الأمريكي، وابتعدت هذه القرارات عن أبسط حاجات الإنسان الأمريكي، النظام الصحي الذي كاد ينهار مع كورونا نموذج على ذلك، الركود الاقتصادي وانتشار البطالة نموذج آخر.
الأزمة الثانية في الديمقراطية الأمريكية هي الصراع بين الحزبين “الجمهوري” و”الديمقراطي”، كان هذا الصراع التاريخي يسبق كل انتخاب، لكنه اليوم بات ممتداً مهدداً العلاقات الأمريكية بالدول الأخرى، حتى بات العالم في حيرة من أمره: هل هو في علاقة مع دولة لها سيادتها، أم حزب يخلط الأوراق حسب توجهاته؟ عندما تصبح الديمقراطية مطية لتحقيق أهداف الأقلية ذات النفوذ، أو عندما تشترى وتباع مثل المتاع، تتفرغ من جوهرها وتتساوى في مآسيها مع الديكتاتورية.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية