رسالة من أكاديمي إماراتي إلى الرئيس الأمريكي
السيد الرئيس جو بايدن.. يسعدني أن أرحب بك في أول زيارة لك إلى المنطقة، وأتمنى لك رحلة سعيدة وزيارة موفقة..
فأنت زعيم أقوى دولة على وجه الأرض ورئيس أهم شريك استراتيجي لدول الخليج العربي، التي تدرك أهمية هذه الشراكة وترغب في الإبقاء عليها، بل تقويتها والانتقال بها إلى آفاق استراتيجية جديدة وواعدة.
السيد الرئيس
دول الخليج العربي، كما تدرك تمامًا، تعيش بجانب جار إيراني صعب، يشكّل أكبر تهديد لأمن واستقرار المنطقة، ولديه أجندة ثورية ومذهبية توسعية ويتجه سريعًا لبناء قدرات نووية وصاروخية ضخمة ويدعم بالمال والسلاح مليشيات إرهابية تعبث بأمن واستقرار المنطقة وتوجه نشاطاتها الإرهابية نحو دول الخليج العربي.
بند مواجهة نشاطات إيران هو الأهم من بين البنود على جدول زيارتك لدول المنطقة، التي يجمعها القلق تجاه هرولة واشنطن نحو إيران واندفاعها غير المحسوب لتوقيع الاتفاق النووي.
دول الخليج العربي هي الأقرب إلى إيران وتفهم طهران أكثر من غيرها، وحتما أكثر من أمريكا، فليتك تستمع بحرص لقلقها المشروع تجاه التوسع الإيراني بدلا من دفعها لقبول اتفاق نووي يكرس هيمنة إيران ويعزز خططها لتصبح شرطي الخليج العربي.
السيد الرئيس
تأتي إلى المنطقة وسط حديث متزايد عن إعادة واشنطن نظرها في حضورها في الخليج العربي، وأنها تنوي الانسحاب من الشرق الأوسط لمواجهة “التهديد” الروسي والتعامل مع “صعود” الصين.
لا شك أن هذا شأن أمريكي بحت، لكن من المهم أن تفهم وتتفهم واشنطن أن لدى دول الخليج العربي أيضا أجنداتها الوطنية الخاصة وأولوياتها الجيوسياسية المختلفة عن أولويات واشنطن، بما في ذلك السير في تنويع شراكاتها وتعميق علاقاتها بالقوى العالمية الصاعدة.
عليك يا سيادة الرئيس أن تتفهم هذا التوجه الخليجي المستقبلي وتحترمه ولا تعيق مساره أو تجبره على خدمة أجندات أمريكية لا تتطابق وتتوافق مع الأجندات الخليجية المستقبلية.
دون فهم أمريكي عميق لهذا التوجه الخليجي المستقبلي يستحيل إقامة شراكة استراتيجية واعدة ومتوازنة.
السيد الرئيس
حان الوقت أن تتصالح أمريكا أيضا مع حقيقة جيوسياسية جديدة، هي أن هناك خليجا عربيا جديدا واثقا بنفسه وبحاضره ومستقبله، ويدرك كيف يوظف نفطه وغازه وصناديقه السيادية لخدمة مصالحه الوطنية.
الخليج العربي الجديد هو مركز القرار العربي الجديد ويعيش لحظته في التاريخ.. لذلك نتمنى عليك أن تعيد النظر في مسلّماتك وقناعاتك القديمة عن الخليج العربي، فما تقول مؤسساتك واستخباراتك وبيوت الخبرة في واشنطن لا يمت بصلة لخليج القرن الحادي والعشرين.
هؤلاء لم يتصالحوا بعد مع حقيقة أن هذا الخليج العربي يختلف عن خليج القرن العشرين.. إنْ جئت بعقلية التعامل مع الخليج العربي القديم فاعرف مقدما أن زيارتك ستكون ناقصة وغير مفيدة وقد يكون من الأفضل البقاء في واشنطن.
السيد الرئيس
ستقابل خلال زيارتك إلى المنطقة قادة دول الخليج العربي الجدد، الذين هم بسنّ أبنائك، وبعضهم بسنّ أحفادك. ستجدهم جميعا مرحبين بك أجمل ترحيب، لكن قد يكون من المفيد أن تدرك أن عالمهم يختلف عن عالمك، وأن ثقتهم بأمريكا تزعزعت مؤخرا، وليست بالقوة نفسها التي كانت لدى جيل الآباء.
لدى قادة الخليج العربي الجدد قناعة أن الوقت حان لشراكة مختلفة، وحتما متوازنة، فهل أمريكا مستعدة لتلبية رغبات وتطلعات قادة الخليج العربي الجدد، الذين أكدوا عدم استعدادهم لمسايرة واشنطن في الصغيرة والكبيرة من الآن فصاعدا، وبلغوا من الثقة بحيث إنهم على أتم الاستعداد لقول “لا” لواشنطن.. وقد تسمع منهم “لاءات” كثيرة خلال اللقاء بهم.. أتمنى عليك الاستعداد لذلك.
السيد الرئيس
ستأتي إلى المنطقة وقد استعاد النفط والغاز الخليجي هيبته وقيمته المالية والاستراتيجية.. فالخليج العربي هو مركز الثقل النفطي العالمي، وسيظل كذلك إلى أجل غير مسمى، وعلى أمريكا والعالم التصالح مع ذلك.
باختصار، النفط الخليجي المهم أصبح أكثر أهمية، وهو الملك الحقيقي بعد أن تضاعفت قيمته المالية والاستراتيجية والتفاوضية في ضوء تزايد اعتماد أوروبا وآسيا على نفط وغاز الخليج.
دول الخليج العربي تدرك أن النفط هو الذي دفعك لزيارة المنطقة، ولا بأس بأن تكون أكثر صراحة في الاعتراف بذلك، بدلا من التغطية على زيارتك بتصريحات متناقضة أحيانا، ومضحكة حينا، ولا تليق بزعيم دولة عظمى.
قد تكون دول الخليج العربي راغبة في تلبية طلب الشريك الأمريكي في رفع سقف إنتاج النفط، لكن هناك ثمن يجب أن تدفعه أمريكا.. وأهم ثمن أن تتحدث من الآن فصاعدًا عن دول الخليج العربي وقادتها باحترام، وتعترف بأهمية هذه الدول في النظام العالمي الجديد.. فهل تحمل في جَعبتك الثمن المناسب؟
السيد الرئيس
دعك من الحديث الممل عن حقوق الإنسان والديمقراطية.. أرجو ألا تذهب بعيدا في طرح هذا الموضوع، الذي ليس هذا مكانه وزمانه وجمهوره.. فأمريكا غير مقنعة عندما تتحدث عن هذا الملف، ونموذجها الديمقراطي فقد بريقه في ظل انقسام مجتمعي وشلل سياسي “واشنطوني”، وعنف فائض يغذيه بروز العنصرية واليمين المتطرف.. عليك أن تدرك سيادة الرئيس أن الحديث في هذا الموضوع مضيعة لوقتك ووقت قادة الخليج العربي.. لن تجد أصلا آذانا خليجية صاغية تستمع لمحاضرات عقيمة عن حقوق الانسان.
السيد الرئيس
كل ما أتمناه أن تضع عقيدتك البايدنية جانبا، وألا تُجير زيارتك لخدمة أجندات إسرائيلية، فالكل يعلم أنك تزور الخليج العربي مجبرا، وليس بطلا أو سيدًا.. لقد ولّى زمن تأمر فيه أمريكا ويطيع العالم.
أخيرًا أتمنى أن تجد خواطر هذا الأكاديمي الإماراتي طريقها إلى قلبك وعقلك لكي تستعد مبكرا للقاء قادة خليجيين جدد، وخليج عربي جديد يتطلع لشراكة خليجية أمريكية بأسس جديدة تواكب بروز نظام عالمي جديد.