رقصة حرب على خلفية المعارك
ليس أنجح من استعراض طفاية حريق مطورة وواعدة أمام خلفية لساحة مشتعلة.
وهو هذا سيناريو تجربة يجريها الليلة مختبر أبحاث القوات الجوية الأميركية AFRL مع مكتبها للبحث العلمي AFOSR، وجوهرها الإطلاق التجريبي لنظام التحليق “الصاعقة Bolt 2″، على أمل بلوغه ستة أضعاف سرعة الصوت، لعله يرفع المعنوية الوطنية للدفاع الصاروخي بعد تصريح الروس بأن صاروخهم الخنجر Kinzhal يطير بعشرة أضعاف تلك السرعة وضرب مؤخراً مستودع سلاح أوكراني تحت الأرض.
في 2022 تتكرر لحظة “ديجا فو” أمريكية ضد القمر السوفييتي “سبوتنك” في 1957، والتي أدى سبق موسكو إليه آنذاك إلى إطلاق برنامج الفضاء الأميركي كما نعرفه اليوم.
الآن يعود سباق الفضاء في بند السلاح وليس بث الترددات والتصوير والاتصال والبحث العلمي، لأن القوات الأميركية تعي جيداً ما يعنيه إطلاق صاروخ لدى الخصم لم تُصنع له مضادات بعد حتى من قبل صانعيه ويطوي ميلين كل ثانية.
إن صح تصريح الروس عن صاروخهم فرط-الصوتي، فنحن أمام قفزة نوعية لم يثبت بعد تمكن الأميركان من مضاهاتها، إذ يقول البيان الصحفي للمختبر الأميركي بأن الهدف من التجربة هو “قياس تكوُّن وتأثير وسُبُل تحييد اضطرابات الرياح والحرارة على سطح وانسيابية جسم المقذوف ومكوناته الإلكترونية عند تلك السرعات العالية، على مسافات شاسعة يستحيل افتعال ومحاكاة ظروفها وآثارها داخل النفق الهوائي”.
أكثر من 400 مجس ورقاقة استشعار ستغطي نظام التحليق المتسارع التجريبي المزمع إطلاقه بالتعاون مع “ناسا” الليلة، دلالةً على البيانات الحرجة والمحاذير الكثيرة المعقدة التي يتطلبها الكسر المتكرر لحواجز سرعة الصوت.
تأخر إجراء هذه التجربة وظهور معطياتها بحاجة إلى استنفار جهد علمي أميركي عملت على تشتيته جبهات صراع متعددة، وتورّط ميداني مزمن تميز بعدم مراوحته للعتاد التقليدي، ثم برنامج طائرات مقاتلة غير واقعي ولا عملي، عاد بسلاح الجو الأميركي إلى مربع اقتناء مزيد من مقاتلات تقليدية مطورة من طرازات إف 15 و16 و18، بعد عقدين أضاعهما على النسخ التجريبية من طرازات إف 22 و35 وأسرابها المحدودة لارتفاع تكلفة الأولى والعقبات الفنية المعطلة للثانية.
حدث ذلك وروسيا تطور صواريخ فرط-صوتية، ومسيّرات للجو والبر والبحر، وإمكانيات للحرب الإلكترونية تصعب مضاهاتها في نطاق السايبر، إذ أن محدودية الإمكانات تكون نعمة أحيانا لأنها تحض المجتهد على تقديم الأولويات القصوى التي تصلح للحاضر والمستقبل. ومن ذات الفكر انطلقت إيران تطور صواريخ ومسيّرات عوضاً عن العتاد التقليدي الذي منع عنها لعقود، واستهلكت خيرته في حربها مع العراق.
ننتظر عواقب تجربة المنظومة الأميركية الجديدة وما بعدها.