اخترنا لكم

رومانسية “أردوغان” الأخيرة تجاه مصر؟!

عماد الدين أديب


لماذا -فجأة- أصبحت تركيا راغبة في الحوار مع مصر، وأصبح رجب طيب أردوغان يعشق عبدالفتاح السيسي؟

ما حدث ليس انقلاباً في المشاعر، ولكنه انقلاب في معادلات اللعبة وموازين المنطقة والعالم.

من هنا، يتعيّـن علينا أن نحلل بموضوعية وعقل بارد مدعوم بمعلومات صحيحة ودقيقة لماذا أصبحت مصر المحرّمة عند أردوغان منذ ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، دولة صديقة يمكن تعميق التعاون معها في كل المجالات؟

بعد دراسة ومتابعة يمكن رصد أسباب دفعت أنقرة، وأرغمت أردوغان على التحوّل الكامل بزاوية ٣٦٠ درجة عن موقفه وموقف بلاده تجاه مصر ونظام الحكم الحالي.

هذه الأسباب هي:

أولاً: ضعف الموقف السياسي الداخلي لحزب العدالة والتنمية الحاكم بعد انشقاق جول وباباجان وأوغلو وانتقادهم جميعهم لموقف أردوغان من مصر.

ثانياً: قيام دولة قطر، والتي تعتبر الحليف العربي الرئيسي لنظام أردوغان والمموّل الخارجي الأكبر لنظامه بتوقيع اتفاق “العلا” للمصالحة مع مصر والسعودية والإمارات والبحرين.

ثالثاً: اتفاق “العلا” يشمل -ضمناً- تفاهما وإصرارا من السعودية والإمارات والبحرين على أنّ رغبة الدوحة في إعادة جسور العلاقات مع أنقرة وعواصم الدول المقاطعة يجب أن يشمل مصالحة مصر التي كانت الأكثر تضرراً من السياسة التركية منذ يونيو ٢٠١٣.

رابعاً: تأكدت تركيا بما لا يدع مجالاً للشك أنّ قرار الرئيس السيسي الحازم بتحديد خط أحمر من “سرت” الى “الجفرة” في ليبيا هو إنذار جاد وحقيقي.

خامساً: تابعت الاستخبارات العسكرية التركية خمس مناورات عسكرية مصرية ضخمة برية وبحرية وأخرى بأسلحة مشتركة في البر والبحر والجو في منطقة “سيدي براني” على الحدود مع ليبيا.

وأدركت الاستخبارات العسكرية التركية أنّ شكل المناورات ونوعية الأسلحة وكفاءة الأداء تعني أنه في حال حدوث صدام عسكري تتدخل فيه القوات المسلحة المصرية، فإنّ ذلك سوف يكون مكلفاً للغاية للخطط التركية ولحلفاء أنقرة في غرب ليبيا.

سادسًا: توصّل أردوغان إلى أنّ أي صدام عسكري مع مصر سوف يكون مكلفاً وهو يحتاج إلى من يدفع الفاتورة.

وتأكد أردوغان أنّ قطر – الآن – لا ترغب في التورّط في تمويل هذا المشروع.

في ذات الوقت يدرك أردوغان جيداً أنّ الخزينة التركية المتأثرة بالعقوبات الدولية والتوسّع في عمليات عسكرية في سوريا والعراق وأذربيجان وشرق المتوسط لا تستطيع التمويل الذاتي لأي عمل عسكري جديد.

ويذكر أنّ الليرة التركية قد فقدت أكثر من ٧٨٪ من قيمتها منذ يناير ٢٠٢٠، وأنّ معدّل البطالة في تركيا قد تجاوز أكثر من ثلث قوة العمل.

سابعاً: يسعى أردوغان الى تغيير نبرته السياسية التهديدية، ومواقفه الصدامية من أجل ترميم علاقاته مع دول حلف الأطلنطي ودول الاتحاد الأوروبي التي تجتمع هذا الشهر لبحث الموقف من سياساته.

ثامناً: قيام مصر بتحركات نشطة وذكية في إنجاز ترسيم حدود بحرية مع دول شرق المتوسط، وإنشاء منتدى الغاز للمنطقة ومقرّه القاهرة والذي يضم مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا وفرنسا.

هذا الأمر جعل تركيا تشعر بأنها خارج نادي غاز البحر المتوسط، وهي مسألة شديدة الأهمية لدولة تسعى لإيجاد أي موطئ قدم في أي اتفاق للغاز، ولدولة تنفق ٥٠ مليار دولار سنوياً في استيراد النفط والغاز.

تاسعاً: المتغيّر الأكبر هو تغيير الحكم في البيت الأبيض من ترامب إلى بايدن، ومن الحزب الجمهوري إلى الحزب الديمقراطي. 

عاشراً: رغبة أردوغان في عودة الاستثمارات الإماراتية الضخمة في تركيا، وزيادة التعاون التجاري مع السعودية، واستئناف المشروعات المجمّدة بين القاهرة وأنقرة يستلزم بالضرورة مصالحة مصر.

مصالحة مصر لها فاتورة ليست بالسهلة وهي فاتورة مكلفة تستدعي مواقف صعبة وقرارات مؤلمة للكبرياء الأردوغاني.

مثلاً: تشترط القاهرة على أنقرة إظهار حسن النوايا تجاه مصر بالبدء في إيقاف دعم التنظيم الدولي لجماعة الإخوان.

مثلاً: تشترط مصر إيقاف تركيا إرسال المليشيات إلى ليبيا وسحب جميع مليشيات الإرهاب التكفيري نهائياً من غرب ليبيا.

مثلاً: لا يمكن لمصر أن تقيم علاقة طبيعية مع دولة تعلن منذ يونيو ٢٠١٣ أنّ الحكم في مصر هو انقلاب وفاقد للشرعية.

القرار التركي الأخير، وتصريحات أردوغان “العاطفية” تجاه مصر مؤخراً ليست حباً في مصر وشعبها وقيادتها، لكنها استجابة مؤلمة لضغوط وعناصر أمر واقع.

من يعرف شخصية أردوغان يدرك أنّ الرجل ما كان ليتنازل قيد أنملة عن غطرسة مشروع الخلافة العثمانية الجديدة لولا العناصر العشر السابق ذكرها.

وفي النهاية نقول كما يقول رجل الشارع المصري في حذر وتفاؤل: “يا رب خير” .

نقلا عن صحيفة الشرق اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى