زعيم حركة النهضة التونسية بين مطرقة المعارضة الخارجية وسندان التصدعات الداخلية
كتب لموقع Im Arabic هبة بن أحمد
تشهد الساحة السياسية التونسية أحداثا متسارعة مؤخرا، بطلتها رئيسة الحزب الدستوري الحر، التي تقود معركة شرسة ضد إحدى أذرع الأخطبوط الإخواني في العالم العربي، وهي حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي، الذي يلعب دور الشرير في القصة.
تدور الأحداث حول راشد الغنوشي، الرجل الذي يترأس إخوان تونس منذ بروز عروقها الأولى سنة 1972، والذي أقحم بلاده في صراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل، كما سعى ويسعى لتنفيذ المشروع الإخوان بتونس، المشروع الهادف لتخريب اقتصاد الدولة وإلغاء الثوابت المدنية التي أسسها الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة.
تحركات الغنوشي المريبة والمخالفة للأعراف الدبلوماسية، فتحت المجال لقوى خارجية للتدخل في تونس على مستويات عدة، فمع وصول حركة النهضة الإخوانية إلى سدة الحكم، بعد الإطاحة بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وجدت تركيا موطئ قدم لها لتحقيق مكاسب اقتصادية تنبني أساسا على إغراق السوق التونسية بسلعها ومنتجاتها، وهو ما تسبب في ارتفاع العجز التجاري لتونس مع تركيا، نظرا لارتباط أسباب هذا العجز بمسائل سياسية وأيديولوجية، راعى خلالها الإخوان مصلحة أنقرة على حساب بلادهم، كما قامت الحركة بتفعيل بنود الاتفاقية التجارية التونسية التركية من جانب واحد اقتصر على الترفيع في الواردات من تركيا دون الترفيع في صادرات تونس نحوها، وبلغة الأرقام، تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة العجز في الميزان التجاري المسجل بين تونس وتركيا بلغ في 2019، نحو 1618,6 مليون دينار، حيث أصبحت تونس تستورد 80 بالمئة من السلع من تركيا، مقابل تصدير 20 بالمئة فقط إليها.
تبعية حركة النهضة الإخوانية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم تتوقف عند هذا الحد، بل تجاوزته لمحاولة توجيه بوصلة سياسة تونس الخارجية نحو الجارة ليبيا، لتنخرط في صميم المشروع الإخواني الإقليمي بقيادة السلطان الواهم، ففي وقت يؤكد فيه مجلس النواب رفضه المطلق لأي تدخل خارجي في ليبيا من شأنه ضرب وحدة ترابها والمساس بسيادتها وزعزعة الأمن والسلم بالمنطقة، لا يفوت الغنوشي فرصة لدعم الغزو التركي لليبيا ومساندة حكومة الوفاق برئاسة فاريز السراج ومليشياتها، من خلال زياراته السرية أو غير المعلنة لتركيا، وتهنئته بالاستيلاء على قاعدة الوطية العسكرية الليبية، وسط اتهامات بتسهيل حركة النهضة تهريب السلاح للمليشيات الليبية، في مخالفة لقرار مجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا، في محاولة بائسة منه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المشروع الإخواني الذي أفشلته صحوة الشعوب العربية في كل من مصر والسودان
محاولات الغنوشي المؤتمر بأوامر الخليفة الواهم أردوغان، أثارت حفيظة طيف واسع من التونسيين، فالقوى السياسية في البلاد، وعلى رأسها الحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسى، لم تقف مكتوفة الأيدي أمام انتهاكات الحركة الإخوانية، حيث أماطت نقاب الإخوان وكشفت المستور بالدلائل والبراهين، فقادت حملة وطنية لإبعاد الأخطبوط الإخواني عن التحكم في مفاصل الحكومة، والتحكم في ضمائر التونسيين، وطرح حزبها عريضة لعزل الغنوشي على إثر اتهامه بالتخابر مع جهات أجنبية والتنسيق مع رئيس تركيا رجب طيب أردوغان ضد مصالح الأمن القومي التونسي، ودخل في اعتصام مفتوح لأيام عدة، كما قاد معركة سحب الثقة من الغنوشي، التي وإن لم تنجح إلا أنها تعد بمثابة صفعة قوية رئيس البرلمان الذي خسر بها خسر بريق الزعامة وصورة الرجل القوي داخل الساحة السياسية التونسية.
الحرب على الغنوشي لم تعد حكرًا القوى السياسية التونسية ولا على معارضي الإسلام السياسي وحكم التيارات الدينية، وإنما باتت تشن من داخل مربع حركة النهضة وعلى ألسنة قياداتها، حيث بدأ التصدع والانقسامات يحاصران زعيم الإخوان من كل جانب، أولها من أحد أبرز أقربائه، عبد الحميد الجلاصي، الذي أعلن مطلع العام الجاري انسحابه من الحركة، لتتواصل صورة التبعثر الإخواني باستقالة أمينها العام زياد العذاري في نفس الفترة، ثم تتواصل بإعلان أحد مؤسسي الحركة، وهو عبد الفتاح مورو اعتزاله السياسة نهائيا.
التصدع الإخواني الداخلي، بحسب نشطاء سياسيين، بدأ يرسم نهاية مرحلة الإسلام السياسي في تونس، وبدأت ملفات الفساد المالي والاغتيالات السياسية تنكشف من داخل حركة النهضة وليس خارجها، ليجد الغنوشي نفسه يطوف حول دائرة هزائمه الداخلية والخارجية…
ويبقى السؤال مطروحا، إلى متى سيواصل وجوده على رأس حركة النهضة ؟ وما جدوى وجوده السياسي على رأس البرلمان التونسي؟
كتب لموقع Im Arabic هبة بن أحمد