• زيارة زيلينسكي للإليزيه.. باريس تعيد تشكيل معادلة القوة في أوروبا
مع وصول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى باريس، تفتح العاصمة الفرنسية أبوابها لمشهد سياسي حساس يختلط فيه البعد الرمزي بالاستراتيجي.
زيارة تأتي في لحظة دقيقة من المفاوضات الأمريكية–الأوكرانية حول خطة السلام، حيث تحاول باريس إعادة التموضع على طاولة اللعبة الأوروبية، بين دعم مبادرات واشنطن للحل وبين حرصها على ألا تتحمل أوروبا ثمن اتفاق متسرّع قد يقوض مصالحها الاستراتيجية.
يعكس اللقاء بين ماكرون وزيلينسكي رغبة باريس في استعادة دورها كفاعل رئيسي داخل القارة، محاولاً أن تكون الضامن الأوروبي لأي اتفاق، وضبط ميزان القوى بين الولايات المتحدة وأوكرانيا من جهة، وروسيا من جهة أخرى.
وفي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لإنهاء الحرب قبل الانتخابات المقبلة، تعمل فرنسا على إعادة هندسة موقف أوروبا، محاذرة أن تتحول تنازلات محتملة إلى مكاسب استراتيجية لموسكو على حساب الاستقرار الإقليمي.
برنامج الزيارة
وكشفت إذاعة “إر.تي إل” الفرنسية عن برنامج زيارة زيلينسكي لباريس، موضحة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل الإثنين نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في قصر الإليزيه، في زيارة تأتي بعد أسبوعين فقط من زيارة سابقة.
وأوضحت الإذاعة الفرنسية، أن برنامج الزيارة يتضمن استقبالا رسميا في قصر الإليزيه عند العاشرة صباحاً، ثم مؤتمر صحفي مشترك، واجتماع ثنائي لبحث “شروط سلام عادل ودائم”، وفق الرئاسة الفرنسية، ثم التحاق السيدة الأولى الأوكرانية أولينا زيلينسكا بزوجها للمشاركة في غداء رسمي.
كما يتضمن برنامج الزيارة فعالية في وزارة الخارجية الفرنسية لإطلاق مبادرة Bring Kids Back المعنية بإعادة الأطفال الأوكرانيين الذين نُقلوا قسرياً إلى روسيا (وعددهم نحو 2000 طفل)، ثم افتتاح “موسم أوكرانيا في فرنسا” بحضور وزير الخارجية جان-نويل بارو ووزيرة الثقافة رشيدة داتي.
اختبار خطة واشنطن
تأتي زيارة زيلينسكي بينما تستمر المفاوضات في فلوريدا بين وفد أوكراني، ومفاوضين أمريكيين مع مشاركة أوروبية في تعديل المسودة.
وقالت الإذاعة الفرنسية إن الخطة الأمريكية الأصلية، المكونة من 28 نقطة، تعرضت لانتقادات واسعة لأنها بدت، في نسختها الأولى، “أقرب إلى تلبية مطالب موسكو”، لذلك جرى تعديلها في جنيف قبل أسبوع، فيما تقول واشنطن إن “العمل لم يكتمل بعد”.
من جهتها، تخشى أوروبا، أن يؤدي أي اتفاق سريع إلى تجميد النزاع على الحدود الحالية، أو فرض تنازلات مؤلمة على كييف، أو ترك روسيا محتفظة بمكاسب استراتيجية، وهنا تحديداً تدخل فرنسا على الخط.
ما الذي تعنيه الزيارة لفرنسا وأوروبا؟
رأى الباحث الفرنسي لوران لاريك في معهد الدراسات الاستراتيجية في باريس أن زيارة زيلينسكي لباريس تعكس رغبة فرنسا في منع واشنطن من احتكار مسار السلام، موضحاً أن الأوروبيين سيكونون المتضررين الأوائل إذا جاء الاتفاق هشاً أو مجحفاً.
وأضاف أن ماكرون يسعى ليكون “ضامن أوروبا” داخل مفاوضات السلام، خاصة بعد التراجع النسبي للدور الألماني بسبب أزماتها الداخلية.
ورأى أن الزيارة تهدف إلى إعادة فرنسا إلى مركز الطاولة بعد أشهر من الضباب السياسي الداخلي والخارجي، مشيراً إلى أن الإليزيه يريد من زيلينسكي موقفاً “مرناً، لا استسلامياً”، كي لا تظهر أوروبا وكأنها تُفرَض عليها تسوية.
هندسة الدور الأوروبي
واعتبر أن ماكرون يحاول إعادة هندسة دور أوروبا في الحرب قبل أن تُفرَض عليها النتائج.
بدوره، قال الباحث الفرنسي فرانسوا هيزبورغ في معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية والمتخصص في الشأن الدفاعي الأوروبي إن خطة السلام الأمريكية قد تكون لحظة مفصلية قد تغيّر مستقبل الأمن الأوروبي، موضحاً أنه لذلك يريد ماكرون ضمان أن أي اتفاق لا يفتح الباب أمام جولات جديدة من التوسع الروسي.
وأضاف أن باريس تخشى أن تضطر كييف لتقديم تنازلات إقليمية، موضحاً أن الاستقرار الأوروبي مرتبط بعدم مكافأة العدوان”.
ورأى أن زيارة زيلينسكي تأتي لإرسال رسالة إلى موسكو أوروبا ليست في طور التخلي عن أوكرانيا، بل تعيد تنظيم موقفها.
كما اعتبر أن ماكرون يحاول عبر هذه الزيارة تقليل الفجوة بين واشنطن وأوروبا بشأن كيفية إنهاء الحرب.
هل تسرع الزيارة الوصول إلى اتفاق سلام؟
وأشار هيزبورغ إلى أن الزيارة قد تمنح الخطة الأمريكية دفعة أوروبية، لكن الطريق لا يزال مليئاً بالعقبات.
إلا أن هناك عوامل قد تعجّل الاتفاق، بحسب هيزبورغ؛ بينها:
- رغبة واشنطن في إنهاء النزاع قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة
- إرهاق الجيش الأوكراني
- الأزمة الاقتصادية الأوروبية المتصاعدة
- ضغط الرأي العام في عدة دول لإنهاء الحرب
ورغم ذلك، فإن هناك عوامل قد تؤخره، بينها:
- رفض أوكرانيا إعطاء موسكو أي تنازلات إقليمية
- انقسام أوروبي بين دول متشددة (بولندا + البلطيق) ودول متحفظة
- رغبة روسيا في الحصول على “ضمانات طويلة الأمد” قبل وقف النار.
