اخترنا لكم

شرق وغرب الغنوشي.. التناقض والغرابة

فيصل عابدون


في معرض تبريره للبقاء على رأس تنظيم النهضة في تونس قدم الغنوشي أغرب التفسيرات التي اعتبر أنها تبيح له التمسك بالمنصب وقفل الطريق أمام أجيال جديدة أو حتى مجايلين له للوصول إلى مكانه. وقال في هذا الإطار اإن السياسيين والقادة يمكن استبدالهم وتغييرهم عبر الانتخابات لأنهم يهترئون خلال بقائهم في الحكم ولا يعودون صالحين للاستمرار في القيادة، أما الزعماء فهم حسب زعمه يمتازون بالقدرة على الصمود في مواجهة الاهتراء لأن «جلودهم خشنة»، وتأسيساً على هذا المفهوم الغريب فإنه يرفض أي مطالب للتنحي والرحيل من مقعد رئاسة حركته.

مثل هذه التبريرات الغريبة والمتناقضة تكشف عن أمرين على الأقل، الأول أنها محض تشبث يائس بالسلطة يخالف كل المبادئ الديمقراطية المعروفة من دون أن تنطوي على أي درجة أو مستوى من المنطق السياسي أو القانوني المقبول. والثاني أنها تمثل المحك الأول الذي يختبر كل الأقاويل التي ظل الرجل يتشدق بها طوال السنوات عن التزامه بالنهج الديمقراطي. وقد فشل في الاختبار في المنعطف الأول للمصداقية فيما يتعلق بالأقوال والأفعال.

من المعروف أن الغنوشي يترأس هذا التنظيم منذ قرابة نصف قرن من الزمان، كما نصب نفسه أيضاً رئيساً للبرلمان التونسي. ومن الطبيعي أن تكون الأعباء في مثل هذه الأوضاع شديدة الوطأة على شيخ مسن يقترب من عمر الثمانين. الأمر الذي يدعو للدهشة أن الغنوشي ظل يطرح نفسه وتنظيمه باعتبارهما نسخة محسنة ومجددة من تيار الإسلام السياسي ومفارقة لأفكار الإسلام السياسي الظلامية.

وكان يعلن في كل مناسبة التزامه بالمبادئ الديمقراطية وفي مقدمتها احترام الحريات العامة وتداول السلطة وعدم احتكارها. ولكن كل هذه الادعاءات سقطت بسرعة في أول اختبار. وحالة الغنوشي هنا ليست حالة شخصية تختص بهذا القيادي دون غيره من قيادات تنظيمات الإسلام السياسي المنتشرة هنا وهناك. فالنهج الانتهازي واستخدام العبارات المقبولة وإخفاء نوايا الغدر المبيتة، ثم الانقلاب على كافة المبادئ ومحاولة استباحة المجتمع والدولة من الأمور الشائعة، وقد برهنت عليها هذه التنظيمات أكثر من مرة وفي أكثر من دولة ومكان.

ولكن ما يوضح مأساوية موقف الغنوشي أكثر من غيره، أن المطالب بتنحيه جاءت من رفاقه بالذات الذين ضاقوا ذرعاً بهذا البقاء المتسلط لشخصية تحسب نفسها «قمة العطاء والإشعاع داخل البلاد وخارجها».

أما بالنسبة لموقع الغنوشي، وسط عموم الناس في تونس، فقد عبر عنه استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة «سيجما كونساي» المتخصصة، ونشرت نتائجه الأسبوع الماضي. وتصدر زعيم تنظيم النهضة في هذا الاستطلاع قائمة أسوأ السياسيين في تونس، فضلاً عن كونه أكثر شخصية لا يثق بها التونسيون، ولا يريدون أن تلعب أي دور في المستقبل السياسي لبلادهم.

تقول التقارير إن عدداً كبيراً من أعضاء التنظيم بينهم أعضاء في المكتب التنفيذي ومجلس الشورى والكتلة البرلمانية بالإضافة إلى قيادات جهوية، طالبوا زعيم حركتهم باحترام القوانين الداخلية التي تنظم تولي المناصب القيادية وإعلان عدم نيته الترشح للرئاسة مرة أخرى.

عن “الخليج” الإماراتية

زر الذهاب إلى الأعلى