المغرب العربي

طرابلس تتخلص من المظاهر المسلحة تحت وطأة الضغوط الدولية


 تشهد العاصمة الليبية طرابلس تطورات لافتة تشير إلى بداية مرحلة تهدئة أمنية، مع انسحاب الفصائل المسلحة من المدينة، استجابة لضغوط دولية متزايدة تهدف إلى إعادة ضبط الوضع الأمني، وإنهاء حالة الانقسام السياسي الذي يُعيق تنظيم انتخابات طال انتظارها.
وجاء الانسحاب المفاجئ للقوات التابعة لعدة ميليشيات بارزة من العاصمة، في خطوة تندرج ضمن ترتيبات أمنية أُقرت مؤخرًا بين تلك الجماعات وحكومة الوحدة الوطنية، تحت إشراف غير مباشر من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. ووفق مشاهد مصورة تداولها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقد انسحبت التشكيلات المسلحة بأسلحتها وآلياتها الثقيلة من مواقع داخل طرابلس، عائدة إلى قواعدها في الزنتان والزاوية ومصراتة.
وينظر الى هذا التحرك كاختبار حقيقي لنوايا الأطراف المحلية تجاه التهدئة، ولإمكانية السير قدماً في تنفيذ خارطة الطريق الأممية، التي تعتمد على ثلاث ركائز أساسية: إنشاء إطار قانوني متفق عليه لإجراء الانتخابات، تشكيل سلطة تنفيذية موحدة، وإطلاق حوار وطني شامل يعالج أسباب الصراع المزمن.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تصاعد الضغط الأممي والدولي على الأطراف الليبية، في مسعى لإنهاء الجمود السياسي المتفاقم منذ سنوات. فقد عُقدت سلسلة من الاجتماعات الحاسمة برعاية بعثة الأمم المتحدة وبشراكة مع ألمانيا، ضمت ممثلين عن الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، إضافة إلى جامعة الدول العربية ودول الجوار الليبي.
وصدرت عن هذه اللقاءات رسائل واضحة، شددت على ضرورة الإسراع بتنفيذ خارطة الطريق السياسية، باعتبار أن الاستمرار في المرحلة الانتقالية لم يعد مقبولاً، بل يُشكل تهديداً مباشراً لاستقرار ليبيا على المدى الطويل.
ويعد الانسحاب الأخير للفصائل المسلحة، والذي يأتي ضمن سلسلة إجراءات أمنية بدأت بتسليم إدارة مطار معيتيقة وسجن معيتيقة إلى مؤسسات رسمية، خطوة في الاتجاه الصحيح. إذ يُعوّل المجتمع الدولي على استعادة الهدوء في طرابلس كشرط أساسي لإطلاق العملية الانتخابية، التي ما زالت متعثرة رغم مرور أكثر من عامين على تحديد موعدها الأولي.
وتعزز هذه التهدئة فرص استئناف العملية السياسية، عبر توفير مناخ أمني يسمح بتسجيل الناخبين وتحريك الأجسام القضائية واللوجستية المشرفة على العملية الانتخابية، وفق ما نصت عليه خارطة الطريق الأممية.
ورغم الخطوات الأخيرة، يبقى ملف الميليشيات من أعقد التحديات التي تواجه مستقبل ليبيا. فهذه الجماعات، التي نشأت في سياق انهيار الدولة منذ عام 2011، تحوّلت من فصائل ثورية إلى كيانات مسلحة تسيطر فعلياً على أجزاء من القرار الأمني والسياسي في البلاد. وقد أظهرت تحركاتها في طرابلس، في الأسابيع الماضية، هشاشة الترتيبات الأمنية القائمة، واستعدادها للعودة إلى السلاح متى ما شعرت بأن مصالحها مهددة.
وتعتبر العديد من العواصم الغربية والعربية أن تفكيك الميليشيات أو دمجها تحت سلطة الدولة يمثل شرطاً أساسياً لتحقيق استقرار دائم، وإنجاح أي عملية سياسية مستقبلية. ويرى مراقبون أن تجاهل هذا الملف أو التعامل معه بشكل جزئي قد يؤدي إلى انفجار جديد في أي لحظة، يقوض كل ما تحقق من تهدئة.
في ظل هذه المعطيات، يرى محللون أن ليبيا تقف اليوم أمام فرصة جديدة – وإن كانت هشّة – للانتقال من مرحلة الفوضى المسلحة إلى عملية سياسية مستقرة تقود إلى انتخابات نزيهة، تُنتج شرعية جديدة تُنهي الانقسامات وتعيد توحيد المؤسسات.
لكن هذه الفرصة لن تدوم طويلاً ما لم يتم البناء عليها بسرعة، وبتنسيق محكم بين القوى الإقليمية والدولية، وبضغط فعّال على الأطراف الليبية كافة للالتزام بمسار واضح ينهي عصر الميليشيات، ويعيد للدولة الليبية دورها ومكانتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى