تعيش سوريا وليبيا واليمن حروباً أهلية طاحنة تدخل عقدها الثاني.
لكن مع ذلك هناك من يصف ما جرى في هذه البلدان الثلاثة طيلة السنوات الماضية على أنها “ثورة” يعمل على تكرار تجربتها في بلدانٍ أخرى كما هو الحال في لبنان، رغم أن تجربة دمشق وطرابلس وصنعاء كانت مريرة وسُفِكت فيها دماءٍ كثيرة وهُجر في غضونها الملايين، وهو أمر لا بدّ من التذكير به كي لا يتكرر في عواصمٍ أخرى، خاصة إذا ما كنا نقف ضد العنف والإرهاب.
إن إصرار بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية على تعريف عقدٍ من الحروبٍ الأهلية الدموية القاسية بالـ “ثورة” فيه الكثير من إنكارٍ للوقائع والجرائم التي حصلت ومجريات الأحداث التي كنا شهوداً عليها لسنوات، فالأحداث التي وقعت بالقرب منا أو في البلدان التي ننحدر منها، لم تكن تحمل سمات الثورة المحقة على الإطلاق، بل استندت على الحقد والكراهية وممارسة التمييز العنصري ضد الآخر. ونتيجة ذلك اُرتكبت جرائم فظيعة وضد الإنسانية في كل من سوريا وليبيا واليمن، وهي من الصعب أن تُعد أو تحصى. وللأسف تستمر حتى اليوم وهي في معظمها على صلة بهوية القاتل وكذلك دين أو عرق ضحيته.
لقد شهدنا في العقد الأخير جرائم لم نكن لنصدقها لو قرأنا عنها في الكتب أو شاهدناها في المسلسلات التلفزيونية وأفلام الحركة والعصابات، وبالتالي هل يمكن لأحد أن يصدق ثورية رجلٍ يقتل آخر ليلتهم كبده؟ هذا ما حصل في سوريا ذات يوم خلال ما تصرّ بعض وسائل الإعلام على وصفه بـ”ثورة”. وكانت هذه الجريمة مسجّلة بالصوت والصورة، وقد رأينا مثيلاتها في اليمن وليبيا أيضاً.
وبالطبع لا يمكن أن ننفي أن احتجاجاتٍ شعبية شهدتها سوريا وليبيا واليمن بداية العقد الماضي، وقد كانت محقّة، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى حربٍ أهلية طاحنة باتت مدخلاً لأطرافٍ دولية وإقليمية للتدخل في شؤون تلك الدول الداخلية، حتى باتت الأزمات التي تعيشها حالياً شبه مستحيلة الحل نتيجة وجود أطرافٍ عدّة على خط أزماتها وفي مقدمتها تركيا وإيران.
وبالتالي من الطبيعي أن ندعو اليوم لمراجعة الأسباب التي أدت إلى فشل حركة الاحتجاجات الشعبية في الدول الثلاث وكيفية تحوّلها لحربٍ أهلية إن كنا نريد بالفعل أن نخطو خطوة واحدة تجاه إنهاء الحروب في هذه الدول وما يرافقها من أزمات اقتصادية واجتماعية صعبة. وكذلك الاستفادة من هذا الفشل المرير في ايجاد الحلول السياسية الصحيحة لإنهاء الحروب الثلاثة ووقف إراقة المزيد من الدماء وتشرد الملايين.
باعتقادي، لم يعد منطقياً وضع مسؤولية كل الكوارث التي شهدتها سوريا وليبيا واليمن على عاتق أنظمتها السابقة أو الحالية، وإن كانت تتحمل جزءاً من مسؤولية ما جرى خلال العقد الأخير، لكن مع ذلك يجب أن تقوم أيضاً الأطراف التي تجد في نفسها بديلاً لهذه الأنظمة، مراجعة أخطائها الكارثية ومحاولة إصلاحها بسرعة، عوضاً عن تمييع الحلول والإصرار على تسمية تلك الحروبٍ الأهلية بالـ”ثورات” والتوقف عن تضليل الرأي العام واستغلال عواطف الناس لإنقاذ ما تبقى من تلك الدول.