غزة تحت الضغط.. الجيش الإسرائيلي ينفذ توغلاً واسعاً ضمن خطة السيطرة

يمضي رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطته للسيطرة على غزة رغم الخلاف مع القيادة العسكرية حيث توغلت القوات الإسرائيلية الأربعاء أكثر في عمق مدينة غزة، واقتحم الجنود والدبابات حي الشيخ رضوان، أحد أكبر أحياء وسط المدينة وأكثرها ازدحاما.
وتقدمت القوات الإسرائيلية في الأسابيع القليلة الماضية عبر أطراف مدينة غزة، ولا تبعد الآن إلا بضعة كيلومترات عن وسط المدينة على الرغم من الدعوات الدولية لوقف الهجوم.
وقال سكان بمدينة غزة إن الجيش دمر منازل ومخيمات كانت تؤوي فلسطينيين نزحوا بسبب الحرب المستمرة منذ ما يقرب من عامين. وذكر مسؤولون في مجال الصحة بالقطاع أن الجيش الإسرائيلي قتل ما لا يقل عن 24 فلسطينيا، بعضهم أطفال، في أنحاء القطاع، ومعظمهم في مدينة غزة.
وصرحت زكية سامي، وهي أم لخمسة وتبلغ من العمر 60 عاما “الشيخ رضوان بتنحرق عن آخرها والاحتلال دمر بيوت وحرق خيام والزنانات بتشغل مسجات صوت (رسائل صوتية) بتأمر الناس انها تنزح من المنطقة”.
وأضافت لرويترز “إذا ما بيتم وقف أخد مدينة غزة والسيطرة يمكن إحنا كمان نموت، ما راح نسامح ولا حدا من اللي قاعدين بس بيتفرجوا بدون ما يعملوا أي إشي ليمنعوا موتنا”.
وقال سكان إن الجيش الإسرائيلي ألقى قنابل يدوية على ثلاث مدارس في حي الشيخ رضوان كانت تُستخدم لإيواء نازحين فلسطينيين، مما أشعل النيران في الخيام، مشيرين إلى أن النازحين فروا قبل القصف.
وأفاد شهود بأن الجيش فجر عربات مدرعة محملة بالمتفجرات لتدمير المنازل في شرق الشيخ رضوان وقصف عيادة طبية مما دمر سيارتي إسعاف.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه سيواصل العمل ضد “المنظمات الإرهابية” في غزة و”إزالة أي تهديد” تشكله على إسرائيل.
وكان نتنياهو أمر الجيش بالسيطرة على المدينة التي يصفها بأنها آخر معقل لحركة حماس، التي أشعل هجومها على إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 فتيل هذه الحرب.
ويصر نتنياهو على ضرورة هزيمة حماس، التي حكمت غزة لما يقرب من عقدين ولكنها الآن لا تسيطر إلا على أجزاء من القطاع، إذا لم تلق سلاحها وتستسلم.
وقال مسؤولون إسرائيليون في وقت سابق إن الجيش الإسرائيلي حث الساسة على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بدلا من ذلك، محذرا من أن الهجوم سيعرض الرهائن المحتجزين في غزة والجنود الذين ينفذونه للخطر.
ويؤيد الرأي العام في إسرائيل إلى حد بعيد إنهاء الحرب عبر اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن المتبقين. وفي القدس اعتلى متظاهرون اليوم سطح المكتبة الوطنية الإسرائيلية ورفعوا لافتة كتب عليها “لقد تخليتم وقتلتم أيضا”.
وأفاد رافيد فيكسلباوم (50 عاما) من تل أبيب “يجب أن يعود جنودنا إلى الوطن. لا بد من عودة رهائننا إلى ديارهم الآن. لقد مضى وقت طويل على بقائهم هناك. أوقفوا الحرب على الفور”.
والتحق عشرات الآلاف من جنود الاحتياط بالخدمة الثلاثاء لدعم الهجوم، وهي قوات قال مسؤول عسكري للصحفيين الشهر الماضي إنه من المتوقع أن تتولى على الأرجح أدوارا غير قتالية، مثل المراقبة والاستطلاع أو أن تحل محل الجنود المقاتلين في أماكن مثل الضفة الغربية الذين يمكن نشرهم بعد ذلك في غزة.
وينذر الهجوم على مدينة غزة بتشريد مليون فلسطيني، أي ما يقرب من نصف سكان القطاع. وطلب الجيش الإسرائيلي في الأسابيع القليلة الماضية من السكان المدنيين مغادرة منازلهم، إلا أن تقارير تفيد بأن عددا من العائلات التي سبق لها النزوح ترفض ذلك.
ويقول مسؤولو الصحة في غزة إن الجيش الإسرائيلي قتل أكثر من 63 ألف فلسطيني منذ بدء الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وتسببت الحرب في أزمة إنسانية بأنحاء القطاع، حيث أفاد المسؤولون المحليون بأن أن 367 شخصا، من بينهم 131 طفلا، لقوا حتفهم حتى الآن بسبب سوء التغذية والجوع الناجمين عن النقص الحاد في الغذاء.
ويعترف المسؤولون الإسرائيليون بوجود جوع في أجزاء من غزة لكنهم يرفضون التأكيدات بوجود مجاعة.
وعرضت حماس الإفراج عن بعض الرهائن، من الأحياء ورفات قتلى، مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار لكن إسرائيل لم ترد رسميا بعد. كما عرضت الحركة إطلاق سراح جميع الرهائن مقابل وقف فوري للحرب وانسحاب الجنود الإسرائيليين لكنها رفضت إلقاء السلاح.
من جهتها، أفادت شبكة “سي.إن.إن” الأميركية نقلا عن مسؤولين إسرائيليين اثنين الأربعاء، أن الخلاف يتفاقم بين نتنياهو والقيادة العسكرية بشكل غير مسبوق، بعد مواجهة مباشرة بينه ورئيس أركان الجيش إيال زمير حول الحرب على غزة.
وخلال اجتماعات لمجلس الوزراء الأمني، عارض زمير قرار السيطرة على مدينة غزة بشدة، محذرا من “المخاطر التي قد تهدد حياة 48 رهينة إسرائيلية ما زالوا محتجزين في القطاع، إضافة إلى التبعات الإنسانية والاستراتيجية المترتبة على تهجير ما يصل إلى مليون فلسطيني”.
كما أبدى اعتراضه على “ما قد يواجهه الجنود الإسرائيليون من أخطار في ساحة المعركة”، وحث الوزراء على “دراسة مقترح لوقف إطلاق النار قدمه وسطاء مصريون وقطريون ووافقت عليه حركة حماس، مؤكداً أن هناك إطارا جاهزا للتنفيذ”.
وبحسب شبكة سي.ان.ان، فإن “نتنياهو رفض إدراج المقترح على جدول أعمال الحكومة وأصر على المضي في الخطة العسكرية”، مستشهدا بما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترامب “انسوا الصفقات الجزئية… ادخلوا بكل قوة وأنهوا الأمر”، فيما مشددا على أنه “يريد صفقة شاملة تضمن إطلاق جميع الرهائن دفعة واحدة”.
ووفق ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية، فقد حذر زمير من أن “السيطرة على مدينة غزة ستقود حتما إلى احتلال عسكري كامل للقطاع، بحيث يتحمل الجيش المسؤولية المباشرة عن السكان”.
ورغم موقفه الصارم، لم يحظ زمير سوى بدعم محدود من بعض الوزراء، بينهم أعضاء في حزب الليكود، بينما اتهمه حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف بانتهاج سياسة “ضعيفة وانهزامية” تعرقل تحقيق النصر على حماس.
جاء ذلك بعد تصاعد حدة التوتر بينه وبين الحكومة في الأسابيع الأخيرة بعد تداول تقارير عن معارضته توسيع الحرب، كما تعرض لانتقادات علنية من يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء، الذي وصفه عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأنه يقود “تمردا ومحاولة انقلاب عسكري شبيهة بجمهوريات الموز في السبعينيات”، وهو تصريح لم يتنصل منه والده.
وخلال نحو عامين من الحرب، تكررت المواجهات بين القيادة السياسية والعسكرية، بينما حاول نتنياهو مرارا تحميل القيادات الأمنية مسؤولية هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
والثلاثاء، رفضت مجموعة من جنود الاحتياط، المشاركة في العملية العسكرية المرتقبة للسيطرة على مدينة غزة، معتبرين أن القرار يهدد حياة الرهائن ويزيد من المأساة الإنسانية.