أوروبا

فرنسا تسابق الزمن لتحصين مدارسها من أفكار الجماعة


يوما بعد يوم، تتحول مكافحة الإخوان في فرنسا، إلى عملية مستمرة ذات أوجه كثيرة، ما يتطلب يقظة من السلطات.

وفي أحدث حلقة بمسار المكافحة، جاء الحكم القضائي الأخير بإعادة تفعيل عقد الشراكة بين الدولة ومدرسة “ابن رشد” الإسلامية في مدينة ليل، الذي لا يراه خبراء “مجرد نزاع إداري عابر”.

وبحسب هؤلاء، يسلط النزاع بين السلطات والمدرسة، الضوء مجددًا على أزمة أعمق تعيشها فرنسا في إدارتها للعلاقة المعقّدة مع المؤسسات التعليمية ذات الطابع الديني، لاسيما تلك المرتبطة بجماعة الإخوان في فرنسا.

إذ قال الباحث السياسي الفرنسي، ألكسندر دلفال إن مدرسة ابن رشد، “تأسست في عام 2003 بدعم من اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (أصبح يُعرف بمسلمي فرنسا ومنبثق عن الإخوان المسلمين)، وفي عام 2008، أصبحت أول ثانوية إسلامية تُبرم عقدًا مع الدولة”.

ماذا حدث في المحكمة؟

بعد أكثر من عام ونصف من النزاع القضائي، قضت المحكمة الإدارية في ليل، أمس، بإلغاء قرار محافظة الشمال الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2023، بفسخ عقد الشراكة بين الدولة ومدرسة “ابن رشد” الثانوية بسبب أن القضية «لم تكن مدعومة بأدلة كافية».

واستند قرار فسخ العقد مع الحكومة الفرنسية، إلى اتهامات تتعلق بعدم الالتزام بقيم الجمهورية، وشبهات بتمويلات غير قانونية، وهي الاتهامات التي لم تتمكن النيابة من إثباتها قضائيًا.

ورغم هذا الحكم، أعلنت وزارة التعليم الوطني أنها “تحتفظ بحقها في الاستئناف”، مشيرة إلى أن “الثقة بين السلطات العامة والمؤسسة قد تضررت”.

من جانبه، قال سيفن غيز، محامي المدرسة، إن الحكم يمثل “خطوة تهدئة”، لكنه لن يوقف الجدل المستمر حول علاقة المؤسسة بجماعة الإخوان.

علاقة “ابن رشد” بتنظيم الإخوان

من جانبها، تقول الباحثة الفرنسية سيلفي بونّو، المتخصصة في شؤون الإسلام السياسي ومؤسسات التعليم الديني في فرنسا إن “المدرسة لا تصرّح علنًا بعلاقتها بالتنظيم، لكن لا يمكن إنكار وجود شبكة تأثير أيديولوجي قائمة، عبر المناهج والكوادر الإدارية. هذا لا يعني مخالفة قانونية بالضرورة، لكنه يشير إلى منطقة رمادية على الحكومة التعامل معها بحذر وذكاء”.

ويصرّ المسؤولون في الحكومة، ومنهم رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، على احترام قرار القضاء، مؤكدين في الوقت نفسه أن “العمل مستمر لضمان عدم وجود أي انحرافات”.

الأكثر من ذلك، رأت الباحثة المتخصصة في شؤون الإسلام السياسي أن الدولة الفرنسية تفتقر حتى الآن إلى آليات رقابية محكمة وفعالة على المدارس الخاصة ذات الطابع الديني.

بدوره، قال الباحث السياسي الفرنسي بول فيريه: “فرنسا وقعت في تناقض جوهري، فهي تمنح العقود باسم احترام التعددية والحرية الدينية، لكنها لا تملك بعد ذلك الأدوات الكافية للتحقق مما يجري داخل الفصول”، مضيفا: “الحكم القضائي فضح هذا الضعف المؤسسي”.

وأمام الحكومة الفرنسية اليوم خيارات محدودة، وهي الاستئناف القانوني، ومراجعة الإطار التشريعي الناظم للعقود التعليمية الخاصة، وتوسيع صلاحيات التفتيش والمراقبة على المدارس الدينية، وهو ما يُتوقع أن يثير اعتراضات من جماعات الدفاع عن الحريات، وفق مراقبين.

الحكم القضائي لا يعني براءة مطلقة، بل فشل الدولة في إثبات اتهاماتها بالإجراءات القانونية المناسبة. وهو ما يستدعي، وفق خبراء، إعادة التفكير في أدوات الرقابة على مثل هذه المدارس، وفق المراقبين.

وفي هذا السياق، حذّر زافييه برتران، رئيس منطقة “هو دو فرانس”، من “السكوت عن مؤشرات الخطر”، داعيًا الدولة إلى الاستئناف “نظرًا لخطورة ما كُشف عنه في أثناء التحقيق”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى