المغرب العربي

فقدان الغطاء السياسي.. الدبيبة على حافة أزمة داخلية جديدة


يجد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، نفسه في مأزق، حيث تلوح في الأفق نذر انهيار تحالفه التكتيكي مع التيار الإسلامي المتشدد. هذا التحالف، الذي كان بمثابة طوق نجاة سياسي للدبيبة، يواجه الآن تصدعاً كبيراً مع مفتي ليبيا المعزول، الصادق الغرياني. وقد بدأ التوتر يتصاعد بشكل علني، ليس فقط بسبب الخلافات المالية المتعلقة بميزانية دار الإفتاء، بل نتيجة قضايا أكثر حساسية تتعلق بالنفوذ والملف الأمني، مما يهدد بإضعاف قبضة الدبيبة على العاصمة ويمنح خصومه ورقة ضغط جديدة.

وتصاعد التوتر بشكل حاد إثر توجيه الغرياني طلباً مباشراً وصريحاً إلى حكومة الدبيبة للإفراج عن 56 شخصاً موقوفين في سجن معيتيقة، الذي يخضع لسيطرة جهاز الردع الخاص.

وبرّر الغرياني طلبه بأن هؤلاء الموقوفين “أبرياء”، غير أن تقارير جهاز الردع أشارت لاحقاً إلى أنهم على صلة مباشرة بتنظيمي الدولية الإسلامية “داعش” والقاعدة، وفق موقع “أخبار شمال إفريقيا”. وقد مثلت هذه المطالبة نقطة فاصلة، إذ كشفت عن محاولات المفتي المعزول للتدخل المباشر في الملف الأمني لصالح التيارات المتطرفة.

جوهر التحالف: دائرة الابتزاز المتبادل

ويرى مراقبون أن العلاقة بين الغرياني والدبيبة لم تكن تحالفاً مبدئياً، بل مجرد “دائرة ابتزاز متبادل” حيث منح رئيس الحكومة دار الإفتاء تمويلاً سخياً وغطاءً سياسياً لعملها، مقابل ضمان فتاوى ومواقف تُشرعن بقاءه في السلطة وترفض أي بديل له.

ومع تسارع التطورات في المشهد الليبي واستمرار الدبيبة في منصبه، رفع المفتي المعزول سقف مطالبه، وشمل ذلك مطالبة بتمويل إضافي والإفراج عن سجناء متهمين بالإرهاب وتوسيع نفوذ أنصاره داخل وزارة الأوقاف والمساجد.

وظهر فتور العلاقة بشكل علني عندما رفض الغرياني مصافحة الدبيبة في مناسبة اجتماعية في سبتمبر/أيلول 2022، وهو ما اعتُبر إهانة سياسية علنية.

وفي مرحلة تالية، صعّد المفتي المعزول من هجومه، واصفاً رئيس حكومة الوحدة الوطنية بأنه “الحلقة الأضعف” و”لا يملك اتخاذ قرار الحرب”، وهو ما يمثل تحولاً صريحاً في الموقف السياسي والديني منه.

ويُرجع بعض المحللين هذا الفتور إلى أن الغرياني يوجه بوصلة فتاويه ومواقفه بما يخدم مصالح تنظيم الإخوان والجناح العسكري للجماعة، ما يشير إلى أن أي تباين في المصالح أو تراجع لدور أو دعم الدبيبة للتيار المتشدد، خصوصاً تحت ضغط أميركي وأممي، يمكن أن يؤدي إلى تغيير موقف المفتي المعزول والتحول إلى خندق المعارضة.

تآكل الدعم المتشدد

ويمتلك المفتي المعزول نفوذاً كبيراً على الجماعات المسلحة التابعة للتيار الإسلامي المتشدد في غرب ليبيا. ومن المرجح أن يؤدي خلافه العلني مع الدبيبة إلى تداعيات سلبية على الدعم الذي يتمتع به الأخير من هذا التيار.

وبما أن الغرياني يُعتبر “المحرك الأول” للجناح العسكري المتمثل في الميليشيات المتشددة، فإن تراجعه عن دعم الدبيبة قد يؤدي إلى انشقاق أو تذبذب ولاء بعض هذه المجموعات المسلحة التي كانت تُشكل ركيزة دعم حكومة الوحدة الوطنية، ما يُعقّد فرص الدبيبة في فرض سيطرته على القرار السياسي والأمني في طرابلس.

ويُضيف هذا الخلاف طبقة جديدة من التعقيد والتوتر إلى المشهد السياسي والأمني الهش في طرابلس، ويُضعف موقف الدبيبة أمام خصومه السياسيين والأمنيين (البرلمان، حكومة باشاغا، وحتى أطراف من المجلس الرئاسي) الذين يترقبون أي علامات ضعف للتحرك ضده.

ومن الممكن أن ينتقل جزء من دعم التيار المتشدد إلى خصوم الدبيبة، أو على الأقل يتوقف الدعم الحيوي عنه، خاصة إذا رأى الغرياني وتياره أن مصلحتهم الجديدة تكمن في تغيير موازين القوى أو دعم سيناريوهات سياسية أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى