اخترنا لكم

فيينا وكييف.. خطوط التقاطع


عندما زادت التوترات بين روسيا وأوكرانيا لحدها الأقصى في النصف الثاني من فبراير الماضي، كتبتُ قبل الأزمة بساعات أن الحرب المتوقعة في شمال أوروبا ستطول الجميع.

هذه الحرب ليست بعيدة عن الشرق الأوسط رغم أنها تجري في سقف العالم. 

وقلتُ إن تلك الأزمة إنْ بدأت ستكون متصلة بملفات أخرى تبدو ظاهريا بعيدة عنها، مثل مشكلة تايوان والصين، والتوتر المستمر بين الهند وباكستان، وحتى الاتفاق النووي مع إيران والمواقف منه في المنطقة. 

في الأيام القليلة الماضية ظهر الارتباط بين أزمة أوكرانيا والملف النووي الإيراني جليا. فالعملية الروسية بدأت في الوقت، الذي عُقدت فيه جولات عدة من التفاوض بين الأطراف المعنية بالاتفاق النووي، المعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA)، وذلك استمرارا لسياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن لمحاولة العودة إلى اتفاق 2015 مع إيران، والذي انسحب منه سلفه دونالد ترامب منفردا وأعاد فرض العقوبات على إيران. 

المفاوضات كانت اقتربت من نقطة حاسمة، وتوقع مراقبون أن تكون جولة التفاوض الحالية هي الأخيرة قبل الإعلان عن الاتفاق وشكله وباقي الإجراءات المترتبة عليه من رفع للعقوبات وسبل التعامل مع كميات اليورانيوم المخصبة بنسبة تفوق المتفق عليه في 2015.

شكّل النزاع الروسي-الأوكراني دافعا جديدا للولايات المتحدة للتوصل بسرعة إلى اتفاق مع إيران، أولا لتحييد ملفها والتوترات التي قد تنتج عنه في منطقة الشرق الأوسط، والأهم هو الحاجة إلى عودة النفط الإيراني إلى الأسواق، خاصة مع إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن قرارا بحظر واردات النفط الروسي إلى الولايات المتحدة، وهو ما أدى لارتفاع في أسعار النفط. 

قبلها كان ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الوزراء الروسي، قد حذر من أن حظر النفط الروسي في الولايات المتحدة وأوروبا قد يؤدي لارتفاع سعر برميل النفط إلى 300 دولار.

لكن روسيا جزء مهم من الاتفاق النووي أيضا، فهذا الاتفاق مع إيران ليس بين طرفين فقط: إيران والولايات المتحدة، بل بين أطراف عدة، هي إيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا والصين وروسيا.. وفيما يشبه المفاجأة طلب المفاوض الروسي طلبات جديدة في اللحظات الأخيرة، منها ضمانات مكتوبة بألا تتأثر العلاقات بين روسيا وإيران بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على موسكو بسبب النزاع الروسي الأوكراني، وهو مطلب لم يكن متوقعا أو مفهوما من قبل الجانبين الأمريكي والإيراني، ما مثل حجر عثرة كبيرا في سبيل إتمام الاتفاق، حيث صرح سعيد خطيب زاده، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، يوم الإثنين الماضي، بأن طهران تنتظر مزيدا من التوضيحات من موسكو.. ثم عاد وصرح يوم الخميس في إشارة ذات مغزى بأن “أي عامل خارجي لن يؤثر على إرادتنا المشتركة للتحرك نحو اتفاق جماعي”. 

الطلبات الروسية الأخيرة حول الاتفاق النووي الإيراني ستتسبب في تأخير الإعلان عن الاتفاق، ما سيسمح باستمرار ارتفاع أسعار النفط وتعطيل خطة الولايات المتحدة بإدخال النفط الإيراني للسوق لزيادة المعروض في محاولة للسيطرة على الأسعار.

وفي حال قررت روسيا تجميد مشاركتها في المفاوضات أو الانسحاب من الاتفاق، فإن ذلك قد يتسبب في تأخر الوصول للاتفاق، وربما نسف ما تحقق في المفاوضات خلال الأشهر الماضية، لأن دخول دولة أخرى محل روسيا في تنفيذ مهام داخل الاتفاق ليس بالأمر اليسير.

وهو ما يشير بوضوح إلى أن المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني أصبحت أيضا ورقة تفاوض في يد الدب الروسي على مائدة تفاوض مختلفة تخص أزمة أوكرانيا والمواجهة الاقتصادية الأوسع بين روسيا والغرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى