في رسالة طمأنة للبنان.. الجولاني يتعهد بحماية الأقليات واحترام السيادة
تعهد القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع المعروف سابقا باسم أبومحمد الجولاني، الأحدبحماية الأقليات وبأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذا “سلبيا” في لبنان وستحترم سيادة هذا البلد المجاور، خلال استقباله وفدا برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط.
وزيارة الوفد اللبناني غير الرسمي هي أول تواصل مباشر مع القيادة الجديدة في سوريا ما بعد الأسد وهي محاولة لاستكشاف رؤية السلطة المؤقتة للعلاقات مع لبنان الذي يعيش أسوأ أزمة سياسية فاقمتها الحرب الإسرائيلية على حزب الله.
وأكد الشرع الذي تولى السلطة إثر إطاحة الرئيس بشار الأسد قبل أسبوعين أن “سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان على الاطلاق وستحترم سيادة لبنان ووحدة أراضيه واستقلال قراره واستقراره الأمني”، مضيفا أن بلاده “تقف على مسافة واحدة من الجميع”، مشيرا إلى أنها “كانت مصدر قلق وإزعاج” في الدولة المجاورة.
ودخل الجيش السوري لبنان في العام 1976 كجزء آنذاك من قوات عربية للمساعدة على وقف الحرب الأهلية، لكنه تحوّل الى طرف فاعل في المعارك، قبل أن تصبح دمشق “قوة الوصاية” على الحياة السياسية اللبنانية تتحكّم بكل مفاصلها، حتى العام 2005، تاريخ خروج قواتها من لبنان تحت ضغط شعبي بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في انفجار وجهت أصابع الاتهام فيه إلى النظام السوري ولاحقا الى حليفها حزب الله.
وجنبلاط الذي وصل الى دمشق الأحد على رأس وفد كبير يضم نجله تيمور ونوابا من كتلته البرلمانية ورجال دين دروز، هو أول زعيم لبناني يلتقي برئيس القيادة السورية الجديد.
وجرى اللقاء في القصر الرئاسي مع أحمد الشرع الذي ظهر للمرة الأولى الأحد مرتديا بدلة وربطة عنق.
ويتهم جنبلاط دمشق باغتيال والده كمال في 1977 خلال الحرب الأهلية، في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد. ونُسبت اغتيالات العديد من المسؤولين اللبنانيين الآخرين المناهضين لسوريا إلى السلطة السورية السابقة.
وتعهد أحمد الشرع بأن “يكون هناك تاريخ جديد في لبنان نبنيه سوية بدون حالات استخدام العنف والاغتيالات… وأرجو أن تمحى الذاكرة السورية السابقة في لبنان”.
وقال خلال اللقاء مع جنبلاط في تعليقات بثتها قناة الجديد اللبنانية “مع اعتزازنا بثقافتنا وبديننا وإسلامنا… ولا يعني وجود الإسلام إلغاء الطوائف الأخرى، بل على العكس هذا واجب علينا حمايتهم”، مضيفا “اليوم يا اخواننا نحن نقوم بواجب الدولة في حماية كل مكونات المجتمع السوري”.
وذكر الشرع أن الإدارة الجديدة أرسلت وفودا حكومية إلى مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في جنوب غرب البلاد. وقال “أهلنا في السويداء كانوا سباقين في مشاركة أهلهم في الثورة وساعدونا في تحرير منطقتهم في الآونة الأخيرة”.
وأضاف “سنقدم خدمات كثيرة، نراعي خصوصيتها، ونراعي مكانتها في سوريا”، متعهدا بتسليط الضوء على ما وصفه بأنه تنوع غني للطوائف في سوريا.
وفي محاولة لتهدئة المخاوف بشأن مستقبل سوريا، استضاف الشرع عددا كبيرا من الزوار الأجانب في الأيام القليلة الماضية، وتعهد بمنح الأولوية لإعادة إعمار البلاد التي دمرتها الحرب الأهلية على مدى 13 عاما.
وقال جنبلاط وهو سياسي مخضرم وزعيم درزي كبير، خلال الاجتماع إن الإطاحة بالأسد ستفتح الباب أمام علاقات بناءة جديدة بين لبنان وسوريا.
وأعرب الزعيم السياسي اللبناني والرئيس السابق للحزب الاشتراكيعن الرغبة في عودة العلاقات اللبنانية السورية إلى “أصولها الطبيعية الدبلوماسية” في أعقاب سقوط حكم حزب البعث الشهر الجاري.
وقال جنبلاط “نحيي الشعب السوري في انتصاراته الكبرى ونحييكم في معركتكم التي قمتم بها من أجل التخلص من القهر والاستبداد”، مضيفا “الطريق طويل ونعاني نحن وإياكم من التوسع الإسرائيلي وسأتقدم بمذكرة باسم نواب كتلة اللقاء الديمقراطي البرلمانية حول العلاقات اللبنانية السورية”.
وتابع “نتمنى أن تعود العلاقات اللبنانية السورية إلى الأصول الطبيعية من خلال العلاقات الدبلوماسية وأن يحاسب كل الذين أجرموا بحق اللبنانيين ونتمنى أن تقام محاكم عادلة للذين أجرموا بحق الشعب السوري وأن تبقى بعض المعتقلات متاحف للتاريخ”.
ويزور الزعيم الدرزي سوريا بعد 13 عاما يرافقه أعضاء من الحزب التقدمي الاشتراكي وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز سامي أبوالمنى.
والخميس أعلن جنبلاط أنه سيتوجه إلى دمشق خلال لقائه عبر الإنترنت ممثلين عن مجلس العلاقات العربية ـ الأميركية. وقال فيه إن “الاستقرار في سوريا ضروري للاستقرار في لبنان، وهي تحتاج إلى فرصة ومساعدة”.
وفي 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أجرى جنبلاط اتصالا هاتفيا بالشرع، مهنئا إياه والشعب والسوري بـ”الانتصار على نظام القمع”، ليكون أول شخصية لبنانية بارزة تتصل بزعيم هيئة تحرير الشام لتهنئته بإسقاط نظام الأسد والأول الذي توجه إلى دمشق.
وسيطرت فصائل سورية في 8 ديسمبر/كانون الأول على العاصمة دمشق وقبلها مدن أخرى، مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وكان لحزب الله اللبناني دور مفصلي في السنوات الأخيرة في سوريا اذ قاتل إلى جانب قوات النظام، الفصائل المسلحة ومن ضمنها هيئة تحرير الشام التي يقودها الجولاني.
ومع ضربات قاصمة تلقاها حزب الله بفعل غارات إسرائيلية دمرت جزء كبيرا من ترسانته العسكرية وقضت على معظم كبار قادته، لم يلعب دورا يذكر في الدفاع عن النظام السوري حين زحفت فصائل المعارضة المسلحة بقيادة الجولاني من حلب وحماة وصولا إلى العاصمة دمشق.
وسحب حزب الله الجزء الأكبر من مقاتليه يوما قبل فرار الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد إلى موسكو وكذلك فعلت إيران وروسيا حليفتاه اللتين مكناه من الصمود لسنوات بعد اندلاع الثورة السورية في مارس/اذار 2011.
وتحاول القيادة السورية الجديدة تسويق نفسها دوليا وإقليميا كقيادة تنأى بسوريا عن النزاعات الإقليمية وعن التدخلات الخارجية، بينما تستقبل يوميا وفودا أجنبية غربية بالأساس وتسعى لطمأنة الجميع بأن دورها سيتركز على إعادة الاعمار والنمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.
وبحكم الترابط الجغرافي والحدود المشتركة مع لبنان، سيكون على القيادة الجديدة بناء علاقات متوازنة بما يخدم المصالح الاقتصادية وبما يساعد على حل مشاكل ثنائية من بينها ملف اللاجئين السوريين وملف المعتقلين اللبنانيين في سوريا وهو واحد من الملفات المطروحة منذ سقوط الأسد.
وزيارة الزعيم الدرزي لدمشق تمر حتما بملف حقوق الأقلية الدرزية في سوريا، بينما يسعى جنبلاط ونجله لاستكشاف مقاربة السلطة الجديدة لهذا الملف.