إيران

قتلى وإصابات في هجوم غامض على محكمة بإيران


شنت جماعة “جيش العدل”، ذات التوجه السني والانتماء البلوشي، هجومًا دامياً استهدف مبنى محكمة في مدينة زاهدان، عاصمة إقليم سستان وبلوشستان جنوب شرق البلاد. وأسفر الهجوم عن مقتل ما لا يقل عن خمسة أشخاص، بينهم امرأة وطفل، وإصابة 13 آخرين، فيما قُتل ثلاثة من المهاجمين خلال الاشتباكات مع قوات الأمن، بحسب ما نقلته وكالة “إرنا” الرسمية.
ورغم تكرار الهجمات في هذه المنطقة المضطربة تاريخيًا، إلا أن العملية الأخيرة تأتي في سياق سياسي وأمني حساس للغاية، بعد أسابيع فقط من نهاية حرب شرسة بين إيران وإسرائيل، كشفت هشاشة المنظومة الدفاعية والأمنية الإيرانية، وفتحت الباب أمام قوى معارضة ومتمردة لاستغلال ما يعتبرونه “فرصة مواتية” لإضعاف الجمهورية الإسلامية من الداخل.
وتأتي الضربة الأخيرة في وقت تواجه فيه المؤسسة العسكرية والأمنية الإيرانية حالة من الإنهاك الشديد بعد تصعيد عسكري إقليمي مع إسرائيل، شمل ضربات مباشرة على الأراضي الإيرانية، فضلاً عن عمليات نوعية استهدفت بنى تحتية أمنية وعسكرية حساسة.
وفي خضم تلك المواجهات، كشفت الحرب عن قدرة الاستخبارات الإسرائيلية – لاسيما “الموساد” – على تنفيذ اختراقات بالغة في العمق الإيراني، بما في ذلك اغتيالات وهجمات سيبرانية وعمليات استطلاع متقدمة. ويعتقد محللون أن هذه الاختراقات الأمنية عززت من جرأة بعض الفصائل المسلحة، التي ترى في اللحظة الراهنة فرصة سانحة لإضعاف قبضة النظام، وربما الدفع نحو زعزعة أركانه.
وتزامنت تلك التطورات مع رسائل صريحة أطلقتها بعض الدوائر السياسية والعسكرية في إسرائيل خلال الحرب، دعا بعضها إلى “إسقاط النظام الإيراني” باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق أمن إسرائيل على المدى البعيد. ورأى مراقبون أن تلك التصريحات قد تكون بمثابة “تشجيع غير مباشر” أو “تفويض سياسي” لبعض القوى المعارضة للنظام في الداخل والخارج للتحرك في هذا الاتجاه.
وفي هذا السياق، أثارت تصريحات رضا بهلوي، نجل شاه إيران السابق، الكثير من الجدل بعدما دعا خلال ذروة الحرب الأخيرة إلى “انتهاز الفرصة التاريخية” للانقلاب على النظام الإسلامي في طهران، مطالباً القوات المسلحة الإيرانية بالانشقاق عن الحكومة والانضمام إلى صفوف ما وصفه بـ”النضال من أجل التحرر الوطني”. وبينما لم تلقَ هذه التصريحات ردود فعل رسمية مباشرة من طهران، إلا أنها لاقت صدىً واسعًا بين أوساط المعارضة الإيرانية في الخارج.
وبالعودة إلى عملية زاهدان، أكدت منظمة “حال وش” الحقوقية، المعنية برصد الانتهاكات بحق البلوش، أن الهجوم استهدف المحكمة بشكل مباشر، حيث اقتحم المسلحون غرف القضاة وألقوا قنابل يدوية داخل المبنى، ما أدى إلى سقوط عدد من الموظفين الأمنيين والقضائيين بين قتيل وجريح. وأضافت المنظمة أن الجماعة المهاجمة حذّرت المدنيين من البقاء في منطقة الاشتباك، ما يعكس طابعاً عملياتياً منظمًا ومعدًّا سلفاً.
وتُعد جماعة “جيش العدل” من أكثر التنظيمات المسلحة نشاطًا في إقليم سستان وبلوشستان، وهي تتبنى خطابًا يجمع بين القومية البلوشية والمطالب الدينية السنية، وتتهمها السلطات الإيرانية بالضلوع في عمليات إرهابية مدعومة من الخارج، ومرتبطة بجهات إقليمية معادية.
وهذا التصعيد لا يمكن عزله عن حالة الإنهاك والتراجع المعنوي الذي أصاب الأجهزة الأمنية والعسكرية الإيرانية بعد الحرب مع إسرائيل، والتي كشفت ضعفًا واضحًا في قدرة الردع الداخلي. وتواجه إيران اليوم مشهداً أكثر تعقيدًا، إذ تجد نفسها بين ضغوط دولية متزايدة، وتحديات داخلية أمنية تغذيها قوى معارضة تسعى لإعادة ترتيب المشهد السياسي، أو على الأقل فرض واقع ميداني مختلف.
وفي الوقت الذي تروج فيه طهران لعودة الاستقرار بعد الحرب، تشير هذه الهجمات المتكررة إلى واقع مغاير، وربما إلى بدايات مرحلة جديدة من الصراع الداخلي غير المتماثل، يشارك فيه طيف واسع من القوى المعارضة، بعضها يحمل السلاح، وبعضها الآخر يراهن على لحظة انهيار سياسي وشيك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى