قصة «المذبحة الملكية» في نيبال
قد تبدو الصراعات داخل العائلات الملكية أمرا شائعا على مر التاريخ، لكن ما جرى في نيبال في مثل هذا اليوم عام 2001، كان خارجا عن المألوف.
لم يكن ما جرى في نيبال صراعا على السلطة أو الثروة أو لاختلافات دينية أو أيديولوجية أو ما شابه. كان الأمر استثنائيا ومأساويا وشديد الغموض.
كان بيريندرا شاه هو الملك العاشر لنيبال عندما قُتل هو وعشرة أفراد من عائلته. وكان ملكًا يحطى بشعبية جارفة، وعلى عكس الملوك السابقين، أراد أن يحقق تغييرًا ويمهد الطريق لنيبال جديدة مزدهرة تتماشى مع العصر الحديث.
تخلّى بيريندرا عن سلطته الملكية المطلقة في عام 1990 ووافق على مشاركة قيادته مع برلمان منتخب. بالنسبة للكثيرين، كان بيريندرا شخصية أبوية، رمزًا للثبات في البلاد، وكان يحظى بحب عميق واحترام من السكان المحليين.
في مساء يوم 1 يونيو/حزيران 2001، وقعت مذبحة العائلة المالكة التي صدمت العالم، حيث قُتل تسعة أفراد من العائلة المالكة بوحشية، بما في ذلك الملك بيريندرا، والملكة أيشواريا، والأمير نيراجان، والأميرة شروتي. وكان القاتل الابن الأكبر للملك، ولي العهد الأمير ديبندرا!
هذه الحادثة “أعادت كتابة” تاريخ مملكة نيبال، وأدت إلى الانهيار السريع لسلالة شاه نيبال والنظام الملكي الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 200 عام. ورغم مرور 23 عاما، لا تزال مأساة إبادة العائلة المالكة المشبوهة والمربكة هذه عالقة في قلوب الشعب النيبالي.
في تلك الليلة المشؤومة اجتمعت العائلة المالكة الهندوسية في نيبال بكامل أفرادها تقريبا، بمناسبة عشاء الجمعة التقليدي كما كان معتادا، وفقا لموقع روسيا اليوم.
لكن حفل العشاء لم يمض كما اشتهى الجميع، إذ تشاجر ولي العهد الأمير ديبندرا من جديد مع والديه اللذين أصرا على موقفهما الرافض لزواجه من الفتاة “ديفاني رنا”، وهي من سلالة ثاني أكبر أسرة أرستقراطية في نيبال، حيث اختار عهد العرش النيبالي اختار لنفسه ابنة أحد نواب البلاد، وهو هندي الأصل، وكانت عائلته في تنافس منذ فترة طويلة مع العائلة المالكة، وكانتا أيضا مرتبطتين بعلاقات مصاهرة.
خلال الأشهر الأخيرة التي سبقت الجريمة، شهد الناس تغيرًا ملحوظًا في سلوك الأمير، الذي أصبح أكثر كآبة وسوداوية، وكان غالبًا ما يُرى في الحانات والمقاهي ذات الطراز الغربي في كاتماندو، يشرب ويدخن الحشيش.
كانت الأجواء تضج بجميع المكونات القابلة للاشتعال في أي لحظة: عشاق ملعونون، خصومة بين عائلتين طويلة المدى، سياسة، خلافات وصراع عائلي. في الأول من يونيو/حزيران 2001، انفجرت هذه المكوّنات في حفل عائلي.
ومع اشتداد حدة الخلاف، ترك نجل الملك الأكبر المائدة وغادر المكان غاضبا، وكان يعرف بطبعه الحاد، استعدادا للانتقام.
ذهب ولي العهد إلى شقته وارتدى زيا عسكريا مموها، وحمل سلاحا وعاد إلى عائلته. ما أن دخل حتى فتح النار من بندقية “إم- 16″، وقتل والديه وشقيقه وشقيقته وأخوات وشقيق الملك، وصهره ورئيس الحرس.
بعد ذلك خرج ولي العهد القاتل إلى الحديقة، وهناك أطلق النار على رأسه، إلا أنه لم يمت على الفور وعاش لبضعة أيام آخرى، بل واختير ليكون ملكا جديدا لبلاده قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
من بين 24 شخصا حضر حفل العشاء، قتل على يد الأمير 12 شخصا، فيما تمكن ابن عم القاتل من النجاة بعد إصابته بجروح طفيفة، كما نجح هذا الأمير في إنقاذ ثلاثة آخرين من أفراد العائلة المالكة بينهم طفلان، وذلك بأن قلب أريكة أمامهم حمتهم من الرصاص.
ولم يتدخل الحراس الملكيون، الذين كانوا يشاهدون كل ما يجري، فيما يعد تقليديا “شؤون الآلهة”، فملك نيبال يعد في معتقداتهم تجسيدا حيا للإله “فيشنو” على الأرض، وعائلته كذلك.
حرصا على السمعة الملكية وعصمة الأسرة المالكة، لم يجرؤ أحد على إبلاغ شعب نيبال بالحقيقة الكاملة حول ما حدث. بدلا من ذلك أعلنت السلطات أن بندقية رشاشة انطلقت من تلقاء ذاتها أثناء تجمع العائلة المالكة لتناول طعام العشاء ما تسبب في مقتل أفرادها، وفي نفس الليلة أعلن عن تسمية القاتل عاهلا جديدا لنيبال.
ولي العهد الذي كان هشم جمجمته بطلق ناري، وكان يرقد في غيبوبة في المستشفى في ذلك الوقت أصبح ملكا على نيبال لنحو 3 أيام، من دون أن يعلم، حيث فارق الحياة في 4 يونيو 2001.
بعد وفاة لي العهد وقاتل أسرته، جلس على عرش نييبال جيانيندرا، شقيق للملك المقتول، إلا أن صعوده تزامن مع أعمال شغب كبيرة وحملة إعلامية شديدة، صورت ما حدث كما لو أن الملك الجديد متورط في تلك المذبحة الملكية.
قصة البندقية الأوتوماتيكية المعطوبة التي فتحت النار من تلقاء نفسها لم يصدقها أحد، وتضررت صورة العائلة المالكة في نيبال بشكل لا رجعة عنه، وسرعان ما جرى إلغاء الملكية في البلاد بشكل تام.
لكن الشكوك الأولية والصدمة أفسحت المجال للاشتباه وظهور العديد من نظريات المؤامرة.
كان معظم الناس غير راضين عن الملك جيانندرا، الملك الجديد، بسبب سلوكه الجارح. هل كان من مجرد صدفة أن جيانندرا كان خارج المدينة في ليلة الجرائم؟
كيف نجت زوجة جيانندرا وأطفاله الذين كانوا حاضرين في الوليمة بشكل معجزي بينما قُتل الكثيرون الآخرون؟ لم يكن سرًا أن ثمة علاقة مضطربة بين جيانندرا والملك بيريندرا، حيث كان جيانندرا يتطلع إلى العرش منذ وقت طويل.
ثم جاء دور الأمير ديبيندرا نفسه. كان لديه صورة كابن مطيع لا يمكنه أبدًا الانقلاب على والده. على الرغم من أنه كان يشرب ويحتفل بشدة، كان محبوبًا من قبل الناس الذين اعتبروه شخصًا ودودًا وطيبًا. فكيف يمكن له أن يقتل والديه؟
نعم، كان ديبيندرا يتمنى الزواج من ديفياني، لكن هل سيقتل 10 أفراد من عائلته من أجل ذلك؟ يجد العديد صعوبة في تصديق هذه النظرية. تتداول بعض المعتقدات الأكثر شيوعًا: إما أن جيانندرا كان من يخطط للأحداث أو أنها كانت مؤامرة سياسية.
لن يُعرف حقيقة ما حدث في تلك الليلة. فقد كانت يومًا مظلمًا في تاريخ نيبال لا يُمكن نسيانه أبدًا.