سياسة

قصة جدار برلين.. التفاصيل


في العادة، يفصل الشرق والغرب آلاف الأميال، لكن جدار برلين اختصر هذه المسافات في كتلة سميكة من الحجارة، وبات رمزا حتى بعد سقوطه.

قصة الجدار شهدت على قضية الفصل بين الألمانيتين بكل ملامحه، من المشاعر حتى الوظائف، وإلى الحريات في ألمانيا، جاعلة من نوفمبر/تشرين الثاني كل عام ذكرى للقضاء على هذه الفترة الصعبة. 

مدينة مقسمة

في نهاية الحرب العالمية الثانية، استسلمت ألمانيا للحلفاء، وهم مجموعة من الدول الغربية بما في ذلك بريطانيا وأمريكا وفرنسا والاتحاد السوفياتي السابق (مجموعة من دول أوروبا الشرقية التي تديرها روسيا).

وقرر الحلفاء تقسيم السيطرة على ألمانيا فيما بينهم، إذ تولى كل منهم المسؤولية عن جزء مختلف من البلاد، فسيطرت بريطانيا وأمريكا وفرنسا على المناطق الواقعة في غرب ألمانيا، وسيطر الاتحاد السوفياتي على شرقها.

وفي عام 1949، تم تقسيم ألمانيا رسميًا إلى دولتين مستقلتين، جمهورية ألمانيا الاتحادية أو (ألمانيا الغربية) وجمهورية ألمانيا الديمقراطية أو (ألمانيا الشرقية).

ويمثل تقسيم ألمانيا جزءًا مهمًا من الحرب الباردة، وهي صراع دام 40 عامًا بين الشرق والغرب. وانتهى في عام 1991، بعد سقوط جدار برلين مباشرة.

وكانت برلين في المنطقة السوفياتية، لكن نظرًا لأنها كانت عاصمة ألمانيا، تقرر تقسيمها إلى 4 مناطق؛ منطقة تسيطر عليها كل دولة من الدول الأربع.

وبالتالي أصبحت المناطق الأمريكية والبريطانية والفرنسية هي برلين الغربية والمنطقة السوفياتية أصبحت برلين الشرقية.

وأغلقت ألمانيا الشرقية، عام 1952، حدودها مع ألمانيا الغربية، لكن الحدود بين برلين الشرقية والغربية ظلت مفتوحة.

لم تكن برلين الأرض تحمل نفس الأعباء بين شرقها وغربها، فبعد التقسيم، بدا أن الاتحاد السوفياتي كان لديه أفكار مختلفة تمامًا عن الحلفاء حول كيفية إدارة الجزء الذي يسيطر عليه.

ففي ألمانيا الغربية، تمت إدارتها بطريقة مشابهة لما عليه الحال في دول المسيطرين عليها، إذ يتمتع الناس بحرية التنقل والاستماع إلى أي موسيقى يحبونها والتعبير عن آرائهم.

وفي المقابل، كانت ألمانيا الشرقية أكثر صرامة مع وجود قواعد صارمة بشأن كيفية تصرف الناس وشرطة تراقب ما يفعلونه.

وفقد سكان برلين الشرقية الذين عملوا سابقًا في برلين الغربية وظائفهم، وانفصل الأصدقاء والعائلة الذين يعيشون على الجانبين، ولم يتمكن الكثير من اللقاء مرة أخرى حتى يسقط الجدار.

ولذلك، حاول نحو 5000 شخص الهروب من فوق الجدار، لكن الأمر كان صعبًا وخطيرًا للغاية، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

وقُتل أكثر من 100 شخص في أثناء محاولتهم القيام بهذه الرحلة على مدى 28 عاماً بين عامي 1961 و1989، وقُتل مئات آخرون في أثناء محاولتهم الفرار من ألمانيا الشرقية عبر أجزاء أخرى من الحدود بين الشرق والغرب.

الجدار 

في عام 1961، أُغلقت الحدود بين برلين الشرقية والغربية، وأمر زعيم الاتحاد السوفياتي آنذاك، نيكيتا خروتشوف، ببناء جدار بين برلين الشرقية والغربية، لمنع الناس من مغادرة ألمانيا الشرقية.

وفي 13 أغسطس/آب من العام ذاته، استيقظ الكثير من الناس ليجدوا أنفسهم محاصرين على جانب واحد من أرض برلين، إذ تم بناء الجدار -بداية- كأسلاك شائكة وسياج بسرعة كبيرة، وظهر بين عشية وضحاها.

ومع مرور السنين، أصبح الجدار عبارة عن سلسلة من الجدران والأسوار المعززة ومواقع مسلحة وأبراج مراقبة تخضع لحراسة مشددة ودوريات للتأكد من عدم عبور الناس من جانب إلى آخر.

وتفصيلا، كان طول جدار برلين 155 كيلومتراً (96 ميلاً)، وارتفاعه 4 أمتار، وبحلول عام 1989، كان يضم 302 برج مراقبة.

وتكون من جدارين متوازيين مع بعضهما البعض، مع وجود شريط فارغ من الأرض بينهما، وكان يحرسها الجنود ومليئة بالألغام لمنع الناس من عبور الحدود.

وأصبح الجدار رمزا للانقسام في أوروبا بين الغرب والشرق، وعرف باسم “الستار الحديدي”، لكن وصفه زعماء الاتحاد السوفياتي بأنه طبقة وقائية، لكن بريطانيا وأمريكا وفرنسا اعتبروه بمثابة سجن يمنع الناس من مغادرة الشرق.

السقوط

بدأت الاحتجاجات، في الثمانينيات، ضد الطريقة التي سيطر بها الاتحاد السوفياتي على الكثير من البلدان في أوروبا الشرقية.

وأراد قاطنو الشرق المزيد من الحريات التي يتمتع بها سكان الغرب؛ في الذهاب إلى حيث يريدون، والاستماع إلى الموسيقى التي يحبونها، والتعبير عن آرائهم بحرية، وبدأوا يطالبون بالسماح لهم بالمغادرة.

وبعد فرار مئات من الألمان الشرقيين عبر الدول المجاورة مثل المجر وتشيكوسلوفاكيا، وجدت الحكومة في برلين الشرقية صعوبة متزايدة في وقف الدعوات للسماح للأشخاص بالعبور إلى ألمانيا الغربية.

وفي يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1989، شارك مليون شخص في احتجاج في ميدان ألكسندر الرئيسي في برلين الشرقية، ما دفع زعيم ألمانيا الشرقية لإلقاء خطاب تلفزيوني في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، قال فيه إنه سيتم فتح الحدود بين الشرق والغرب.

وتوجه آلاف الأشخاص من ألمانيا الشرقية إلى الحائط مطالبين الحراس بفتح البوابات، الذين لم يتمكنوا بدورهم من السيطرة على اندفاع الناس، لذا لم يكن أمامهم خيار سوى التراجع، وعبر آلاف الأشخاص إلى ألمانيا الغربية، وبدأ بعضهم في هدم الجدار.

وفي الجهة الأخرى، انتظر الثوار حشودا من الناس والمعارف، ليلتقوا مجددا بعد سنوات عدة من الانفصال، ووصلت حدة التعبير عن السعادة إلى الرقص أعلى الجدار.

ويعتبر التاريخ الذي “سقط” فيه الجدار هو 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989، لكن لم يهدم الجدار بأكمله على الفور.

وعلى مدار أسابيع، بدأ العديد من الأشخاص في تحطيمه بالمطارق الثقيلة وأخذوا قطعًا من الجدار للاحتفاظ به، لأنه أصبح رمزيًا للغاية.

وفي 3 أكتوبر/تشرين الأول، عام 1990 -بعد 11 شهرًا من سقوط جدار برلين- تم إعادة توحيد ألمانيا الشرقية والغربية رسميًا لتصبح دولة ألمانيا التي نعرفها اليوم، وهدم الجدار، لكن تركت الحكومة أجزاء كثيرة منه ليراها الناس اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى