اخترنا لكم

قضية جديدة تضاف لأزمات تركيا

جوان سوز


أعلنت تركيا الخميس، رسمياً انسحابها من اتفاقية “إسطنبول” الدولية المعنية بحماية التركيات من العنف، الأمر الذي يزيد من مخاوف المدافعات عن حقوق النساء.

وذلك في وقت بلغ فيه العنف الأسري ذروته في البلاد، حيث قُتِلت في عام 2020، 300 امرأة على أيدي الرجال، في حين كان قد سُجِّلت في العام ذاته 171 حالة وفاة مشبوهة لنساءٍ فقدنَّ حياتهنَّ في ظروفٍ غامضة، ما يعني مقتل امرأة يومياً في تركيا، بالتزامن مع التزام أنقرة بتلك الاتفاقية قبل أن تنسحب منها نهائياً، فما الذي سيحصل بعد ذلك؟

من المحتمل أن العنف ضد المرأة في تركيا، سوف يتصاعد بعد اليوم خاصة أن ظاهرة قتل النساء لم تتوقف في العام الحالي أيضاً، وكانت تستمر رغم التزام السلطات ولو شكلياً بمعاهدة “إسطنبول”، وبالتالي قد تقتل المزيد من النساء بكل سهولة ومن دون أي رادع، مع تراجع حكومة حزب “العدالة والتنمية” في الدفاع عنهنّ، بعد انسحابها الكامل والرسمي من المعاهدة التي كانت ترى فيها المدافعات التركيات عن حقوق الإنسان ضمانة لعدم تعرَض النساء في البلاد للعنف الأسري الذي غالباً ما يتمثل بالقتل في تركيا.

وفي مقابل هذا الانسحاب، ستخرج النساء والجمعيات المهتمة بشؤونهن في تظاهراتٍ في عموم البلاد، وقد دعت بالفعل كبرى المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة للخروج إلى الشوارع مباشرة بعد صدور القرار، اعتراضاً على انسحاب أنقرة من الاتفاقية المبرمة مع “المجلس الأوروبي” والتي كانت تركيا أول دولة توقّع عليها في إسطنبول يوم 11 أيار/مايو من عام 2011، لتدخل حيّز التنفيذ بعد ذلك في آب/أغسطس من عام 2014. وقد عُرِفت تلك المعاهدة باتفاقية “إسطنبول” نظراً لأن الحكومة التركية وافقت ووقعت عليها في تلك المدينة. ورغم أن أنقرة لم تكن تلتزم بكل بنودها، إلا أن المعاهدة كانت تمنح هامشاً كبيراً من الحماية للتركيات اللواتي أصبحن الآن في مهب الريح ومعرضات للعنف باستمرار.

واللافت أكثر، أن دعوة الفعاليات النسوّية للخروج في تظاهراتٍ معارضة لانسحاب أنقرة من معاهدة “إسطنبول”، تحظى بدعمٍ من أكبر حزبين تركيين وهما “الشعب الجمهوري” و”الشعوب الديمقراطي”، إضافة لحزب “الديمقراطية والبناء” الذي يتزعّمه نائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان، وحزب “المستقبل” الذي يقوده أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء الأسبق، إلى جانب أحزابٍ أخرى صغيرة. وهذا الدعم المعلن للتحرّكات النسائية، يمنحها طابعاً سياسياً أيضاً، ما يعني مواجهة المعارضة للحزب الحاكم الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في احتجاجاتٍ قد تكون مشابهة لتلك التي حصلت بشأن تحويل منتزه “غيزي” لثكنة عسكرية في عام 2013.

كما أن انسحاب أنقرة من هذه المعاهدة يشبه إلى حدٍّ كبير، العفو العام الذي أصدرته في أيار/نيسان من عام 2020 والذي بموجبه أُفرج عن نحو 90 ألفاً من أصحاب التهم الجنائية بينهم زعماء مافيا هددوا معارضين بارزين بالقتل بعد ذلك، مثلما فعل علاء الدين تشاقجي زعيم المافيا التركي الشهير مع كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب “الشعب الجمهوري” عندما هدده بالقتل، وكذلك فعل نجله مع باباجان قبل نحو شهرين وهدده بالقتل أيضاً. كذلك انسحاب أنقرة من هذه المعاهدة، ماقد يمنح قتلة النساء نوعاً من التساهل وربما الإفلات من العقاب، ما يعني ارتكاب المزيد منها مستقبلاً لغياب القوانين الرادعة.

وبالتأكيد سوف يؤدي ذلك أيضاً، على الصعيد الخارجي، إلى توترٍ جديد بين تركيا وحلفائها الغربيين، لاسيما وأن الاتحاد الأوروبي كان قد انتقد رغبة تركيا بالانسحاب من تلك الاتفاقية في أواخر آذار/مارس الماضي، وهذا كله يعني تفاقم مسألة حماية النساء في تركيا والتي ستضاف لجملة من الأزمات السابقة التي عجز أردوغان عن حلّها مثل الأزمة الاقتصادية، وتدهور سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، علاوة على الفشل المتكرر في استعادة العلاقات الجيدة لبلاده مع الخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى