“قيس سعيد يدعو إلى تطهير الإدارات من الانتدابات العشوائية”
دعا الرئيس التونسي قيس سعيد رئيس الحكومة أحمد الحشاني إلى شنّ حملة تطهير داخل الإدارات ضد من يعرقلون إنجاز المشاريع التنموية بالبلاد، من خلال المراجعة الدقيقة للانتدابات التي جرت بعد عام 2011.
وتأتي دعوة سعيد استجابة للمطالب الشعبية بفتح ملفات التعيينات المشبوهة، لا سيّما من حملة الشهادات الجامعية العليا الذين يوجهون اتهامات للأحزاب التي قادت البلاد خلال الأعوام الماضية، بفتح أبواب الوظيفة العمومية لأنصارها والموالين لها، دون الأخذ بالاعتبار معيار الكفاءة.
وشهدت تونس بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي، حالة استقطاب وتجاذبات سياسية حادة بين الإسلاميين والعلمانيين لم تقتصر على الخيارات الكبرى التي تم انتهاجها، بل طالت أيضا التعيينات في الإدارة التونسية التي يرى البعض أنها تخضع للمحاصصة الحزبية.
وخلال اجتماعه برئيس الحكومة أكد الرئيس سعيد على ضرورة الانسجام بين كل الوزارات في إطار السياسة التي يضبطها رئيس الدولة.
كما شدد على “الإسراع في عملية مراجعة دقيقة لكل الانتدابات التي تمت منذ سنة 2011″، لافتا إلى أن “هذه المراجعة صارت اليوم أمرا مستعجلا خاصة في ظل تعطيل عدد من الإدارات لسياسة الدولة مثلما حصل في المدة الأخيرة عندما رفض أحد المسؤولين تسلّم مبلغ مالي لفائدة الدولة”.
وأشار سعيّد إلى أن مثل هذا السلوك لا بدّ أن يحاسب عليه من قام به لا سيّما وأنه سلوك منتشر في عدد من الإدارات مثلما حصل أيضا بالنسبة إلى تعطيل عدد من المشاريع بحجج واهية في قطاعات متعددة كالصحة والتعليم والشركات الأهلية وغيرها.
وأكد أنه يجب على الإدارة أن تقوم بدورها وأن يشعر كل مسؤول أنه في خدمة الدولة لا في خدمة جهة معينة أو مجموعة ضغط تخال نفسها قادرة على تعطيل سياسات الدولة.
وذكّر بأن الإدارة امتداد للسلطة السياسية محمول عليها واجب التنفيذ ولا يُقبل مستقبلا منها أي مماطلة أو تعطيل، هذا إلى جانب أن عديد المواطنين والمواطنات صاروا لقضاء شؤونهم رهن إرادة مسؤول يخال نفسه فوق أي محاسبة.
وكانت الحكومة التونسية قد فتحت العام الماضي عدّة قضايا في ملفات فساد وإرهاب تعود إلى السنوات التي توصف بـ”العشرية السوداء”، كما استجابت إلى الدعوات المطالبة بفتح تحقيق في التعيينات التي جرت خلال الأعوام الماضية، وفتحت ملف التعيينات المشبوهة في الوظيفة العمومية، التي باتت تشكل أحد أخطر أوجه الفساد التي طبعت منظومة الحكم التي قادتها حركة النهضة.
وأعلن المتحدث السابق باسم الحكومة نصرالدين النصيبي في نوفمبر الماضي أن “مختلف الوزارات انطلقت في عملية جرد للشهادات العلمية لمنتسبيها بغرض التثبت من صحتها”.
وأضاف -في تصريحات إعلامية- أن “كل ملف يتعلق بشهادة مزورة سيحال إلى القضاء”، مؤكدا أنه جرى اعتماد الختم الإلكتروني المرئي لجميع الشهادات العلمية منعاً لتجاوزات مستقبليه.
وفي نوفمبر الماضي، كشفت التحقيقات في قضية الوظائف والتعيينات المشبوهة عن تشغيل (47) ألف موظف بالاستناد إلى شهادات علمية مزورة خلال فترة حكم حركة النهضة.
وعمليات التثبت هذه أعقبت كشف تحقيقات في أكتوبر الماضي عن تورط (16) شخصاً من محافظة القصرين (وسط)، في تزوير شهادات علمية من أجل الحصول على وظائف في عدد من البلديات، وأذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بالقصرين بالاحتفاظ بهم بعد ثبوت تهم التزوير ضدهم.
وقبلها بشهرين، قررت السلطات التونسية سجن موظفين آخرين كانوا يعملون بشهادات مدرسية مزورة، ممّا أعاد إلى الواجهة حينها الجدل حول ظفر الكثيرين بوظائف حكومية في قطاعات التربية والشؤون المالية والصحة وغيرها عبر تزوير شهادات علمية مختلفة طيلة العشرية الماضية.
وقبل عام، كشفت التحقيقات في قضية الوظائف والتعيينات المشبوهة عن تشغيل (47) ألف موظف بالاستناد إلى شهادات علمية مزورة؛ وتمّت حينها إحالة أكثر من (150) معلماً وأستاذاً إلى التحقيقات، ثبُت أنّ المستوى التعليمي لا يرتقي إلى رتبتهم المهنية، كما تم التفطن إلى تزوير شهادات لإطارات ومهندسين وحتى وزراء، وتم الكشف أيضاً عن تواصل صرف رواتب المئات من الذين غادروا الحياة؛ وهي جريمة خطيرة جداً، بعد أن تم نهب أموال خزينة الدولة عن طريق عمليات تحايل.
وأحالت وزارة الشؤون الاجتماعية التونسية في أكتوبر الماضي أكثر من 200 ملف إلى القطب القضائي المالي، بخصوص تزوير شهادات علمية وتعيينات مشبوهة، وذلك بعد تحقيقات إدارية.
وأكد رئيس جمعية مكافحة الفساد أنّ عدد ملفات تدليس الشهادات العلمية التي أحيلت على القضاء قليل جدا، وقد ظهر الأمر “أكثر وقاحة” في العشرية السوداء مع حكم حركة النهضة، ممّا ساهم في إفلاس الوظيفة العمومية وإغراقها بانتدابات الموظفين الذين ارتفع عددهم من حوالي (217) ألف موظف في القطاع العام إلى (800) ألف في أعوام قليلة، ممّا ساهم في عجز المؤسسات عن أداء مهامها وإفلاسها.
وبحسب دراسة رسمية أنجزها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية، فقد بلغ عدد المنتفعين بالعفو التشريعي العام (أغلبهم من قيادات حركة النهضة وقواعدها) من الذين تم انتدابهم عشوائياً في الوظيفة العمومية، دون إجراء مناظرة بعد عام 2012، حدّ (6839) موظفاً.
وأقر العفو التشريعي العام بعد أسابيع قليلة من الإطاحة بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي، خلال حكومة محمد الغنوشي الثانية، وتم البدء عمليا في تطبيقه بعد العام 2013، حين تمكنت حركة النهضة من فرض سلطتها.
وحول تعيينات العفو التشريعي العام في عهد الترويكا (بقيادة حركة النهضة)، وفي علاقتها بالوضع الذي تعيش فيه البلاد وقتها، أكد القيادي المستقيل من حركة النهضة عبداللطيف المكي أواخر 2015 أنّ 95 بالمئة من المنتدبين في الوظيفة العمومية كانوا عملة، وعددهم قرابة (7) آلاف شخص، لم يشتغل منهم سوى (4) آلاف منتدب.
وأفاد حينها بأنّ التعيينات الأخرى تشكلت لها لجنة خاصة للنظر فيها، مشدداً على أنّهم ليسوا كلهم أبناء النهضة.
وكانت صحيفة المغرب التونسية قد كشفت في تحقيق صحافي أنّ حوالي (10) آلاف شخص تمتعوا بالعفو التشريعي العام، تحصل (3646) شخصاً على (6) آلاف دينار كتسبقة، بينما تمّ انتداب (6) آلاف آخرين في الوظيفة العمومية، وذلك وفق أمر حكومي صدر عام 2012.
وفي ما يتعلق بتفعيل الانتدابات، فقد بلغت التعيينات (7519) تعييناً على مستوى الورق، بينما باشر منهم (5850) شخصاً، يتوزعون بين (5647) شخصاً في الوزارات، و(203) في المنشآت.
ومن جانبه، أكد رئيس الاتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة أنّه قد تم تعيين (11) ألف متمتع بالعفو التشريعي العام وإعادة إدماجهم، من بين (21) ألفاً و(800) منتدب في الوظيفة العمومية خلال فترة حكم الترويكا.
وتتجه أصابع الاتهام في هذا الملف إلى حركة النهضة، التي سارعت بمجرد تسلمها مقاليد السلطة في تونس إلى تعيين عدد كبير من أتباعها وأنصارها وقواعدها في مختلف الإدارات والمؤسسات، مستغلة أحكام مرسوم العفو التشريعي لتوظيف أنصارها بهدف الاستقطاب الانتخابي.
وكان رئيس جمعية مكافحة الفساد إبراهيم الميساوي قد أشار إلى أنّ التوافق مع حركة النهضة الإسلامية، وشراء منظومة السلم الاجتماعي، كلف الدولة آلاف التعيينات المشبوهة عن طريق شهادات مزورة في وزارات المالية والصحة والتربية ومؤسسة الديوانة والبنوك العمومية.
ولم تشمل التعيينات المشبوهة في تونس الوظائف العادية فحسب، بل شملت رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، إلى جانب محافظين ومعتمدين وعُمد، وموظفين ساميين بالوزارات، والإدارات الجهوية والبلدية، وتبلغ نسبة البطالة وفق أحدث بيانات المعهد الوطني للإحصاء 16.1 بالمئة.