المغرب العربي

قيس سعيد يطالب بالتصويت بكثافة في الانتخابات التشريعية


في أوّل انتخابات تشريعية بالدستور الجديد بدأ التونسيون السبت الإدلاء بأصواتهم لانتخاب برلمان جديد مجرد من السلطات الفعلية. تضع شعبية الرئيس قيس سعيد في الميزان خصوصا في ظل تزايد دعوات أغلب الأحزاب السياسية لمقاطعتها.

وطالب الرئيس التونسي قيس سعيد، السبت، في تصريحات صحافية خلال إدلائه بصوته في الانتخابات بأحد مراكز الاقتراع في العاصمة تونس. المواطنين للمشاركة بالانتخابات التشريعية المبكرة، لاختيار أعضاء مجلس النواب.

حيث خاطب سعيد المواطنين قائلا “هذه فرصتكم التاريخية فلا تفوتوها حتى تستردوا حقوقكم المشروعة في العدل والحرية”.

وتابع “لتكونوا على موعد مع التاريخ، لنصنع معا تاريخا جديدا. توكلوا على الله واعملوا لأجل أن نقطع الطريق على من نهبوا البلاد ونصبوا أنفسهم أوصياء بطريقة اقتراع بائدة”.

مضيفا “تم تحديد موعد بدء الانتخابات التشريعية رغم العقبات. ورغم هجوم من وصفهم بـ”مرتدي الأقنعة” مؤكدا أنهم “خارج مسار التصحيح”.

وحذر النواب الجدد قائلا “ليتذكر هؤلاء أنهم سيبقون تحت رقابة ناخبيهم إن لم يعملوا صادقين من أجل تحقيق ما وعدوا به ناخبيهم”.

وشدد على أنه “بالإمكان سحب الوكالة منهم (النواب) كما ينص على ذلك القانون الانتخابي”.

وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها على تمام الساعة الثامنة صباحا (التاسعة بتوقيت غرينتش) لتتواصل عملية التصويت إلى حدود الساعة السادسة مساء (السابعة بتوقيت غرينتش).

وتشكل الانتخابات التشريعية الحجر الأخير في بناء نظام رئاسي يسعى قيس سعيّد إلى إرسائه منذ توليه السلطات في البلاد صيف 2021.

ودعي أكثر من 9 ملايين ناخب إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في السلطة التشريعية القادمة من بين 1058 مترشحا، فيما بدأ التصويت بالخارج منذ الخميس، بنسب إقبال ضعيفة ومحدودة إلى حدّ الآن.

ونشرت السلطات التونسية الآلاف من قوات الأمن والجيش لتأمين مكاتب الاقتراع المنتشرة في كافة مدن البلاد، كما استدعت آلاف الأعوان للإشراف على عملية الانتخاب ومراقبتها.

ويراقب الانتخابات بعثة من مركز كارتر الأميركي ووفد بعثة الملاحظين من منظمة التعاون الإسلامي ووفد بعثة الملاحظين من الاتحاد الأفريقي ووفد بعثة الملاحظين من الغرفة المدنية بروسيا الاتحادية.

ومن تونس، يراقب الانتخابات كل من مرصد “شاهد” وشبكة “مراقبون” وجمعية “عتيد”.

بينما أعلن البرلمان الأوروبي مقاطعة الانتخابات التشريعية وعدم مراقبتها. كما أعلن الاتحاد الأوروبي. وفق بيان نشره على موقعه الرسمي، أنه لن يعلق لا على العملية الانتخابية ولا على النتائج.

وتتزامن هذه الانتخابات مع ذكرى اندلاع الثورة في محافظة سيدي بوزيد (جنوب) في 17 ديسمبر 2010. في ظل مقاطعة حزبية واسعة من أهم الأحزاب المشكلة للمشهد السياسي في البلاد.

وبدت الحملة الانتخابية التي استمرت ثلاثة أسابيع باهتة، كان ظهور المرشحين خلالها محدودا ومن دون أن يطغى عليها أي طابع تنافسي، بينما غاب عنها السجال الانتخابي في وسائل الاعلام.

ويتكوّن البرلمان الجديد من 161 نائبا. وسيحل محل البرلمان السابق الذي جمّد أعماله سعيّد في 25 يوليو 2021 وحلّه لاحقا وتولى السلطات في البلاد، بسبب الانسداد السياسي وتواصل الأزمات السياسية في البلاد إثر خلافات متكررة بين الأحزاب في البرلمان.

لكن هذا البرلمان الذي سيتم اعلان نتائج انتخابه بعد دورة ثانية بين فبراير ومارس القادمين، سيكون مجرّدا من السلطات استنادا إلى الدستور الجديد الذي تم إقراره إثر استفتاء شعبي في يوليو الفائت ولم يشارك فيه نحو سبعين في المئة من الناخبين.

وبموجب هذا الدستور، لن يكون بوسع نواب البرلمان إقالة الرئيس ولا إسقاط الحكومة إلاّ بتوفر شروط “من الصعب جدّا” تحقيقها، حسب الخبير السياسي حمادي الرديسي.

في المقابل يمكن لمجموع النواب تقديم مقترحات ومشاريع قوانين لكن يبقى للرئيس الأولوية في ذلك.

وينص القانون الانتخابي الجديد على الاقتراع الفردي ويحل محل انتخاب اللوائح، ما يضعف مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات. وقد نتج عن ذلك ترشح شخصيات غير معروفة غالبيتها بدون انتماءات سياسية.

ويقول أستاذ العلوم السياسية حمزة المؤدب لوكالة الصحافة الفرنسية ان “هذا التصويت اجراء شكلي لاستكمال النظام السياسي الذي فرضه قيس سعيّد بتركيز السلطات بين يديه”.

ويضيف أن “التونسيين يعلمون أن البرلمان لن يكون له وزن سياسي وسيتم تجريده من كل السلطات”، متوقعا إقبالا “ضعيفا جدا” على صناديق الاقتراع.

ويرى المؤدب أنه “لا يوجد جو انتخابي (…) إنه ليس بحدث”.

ويؤكد المؤدب على أن المترشحين غير معروفين لعامة الناس و”مبتدئون في السياسة، وغير قادرين على التعبئة في سياق اقتصادي متدهور للغاية”.

وترشح للانتخابات 1085 شخصًا غالبيتهم غير معروفين.

وذكر “للمرصد التونسي للانتقال الديمقراطي”، أن نصف المرشحين أساتذة (نحو 26 بالمئة) وموظفون حكوميون بمستوى متوسط (نحو 22 بالمئة).

ويظل الشغل الشاغل لـ 12 مليون تونسي، بما فيهم تسعة ملايين ناخب مسجل، ارتفاع تكاليف المعيشة مع تضخم يبلغ حوالي 10 بالمئة واستمرار فقدان بعض المواد الغذائية المتكرر على غرار الحليب والسكر.

وقاطعت غالبية الأحزاب السياسية في تونس وفي مقدمتها حزب النهضة ذو المرجعية الاسلامية والذي كان مسيطرا على البرلمان منذ 2011، الانتخابات وقالت إنها لن تعترف بنتائجها.

ويرى المؤدب في هذا السياق أن الهدف هو “إعادة تشكيل نظام سياسي أحادي، كما يريد الرئيس سعيّد، لا يشرك فيه الاتحاد العام التونسي للشغل ولا المجتمع المدني ولا حتى الأحزاب”.

وهاجم الاتحاد الذي يمثل الثقل النقابي في البلاد، مؤخرا انتخابات الرئيس واعتبرها من دون “طعم ولا لون”.

وقرّرت منظمة “بوصلة” التي تراقب النشاط البرلماني في البلاد منذ 2014، عدم مواصلة عملها الرقابي على البرلمان مبررة قرارها برفضها ان تكون “شاهد زور على برلمان كرتوني”.

وقالت هذه المنظمة غير الحكومية إنها لا تريد “إضفاء الشرعية على هيئة وهمية يتم إنشاؤها فقط لدعم توجيهات الرئيس”.

ويعتبر هاميش كينير المحلل في مكتب “فيريسك مابلوكروفت الدولي”، أن الانتخابات “ستسهل مع ذلك علاقات تونس مع شركائها الخارجيين الرئيسيين، من خلال إنهاء 17 شهرًا من عدم اليقين الدستوري” منذ احتكار سعيّد للسلطات في البلاد.

ويقول إنه سيكون من الأسهل الحصول على مساعدات من المانحين الدوليين “بفضل عودة وضوح الرؤية السياسية بشكل أكبر، حتى لو كانت الشرعية الديموقراطية للانتخابات التشريعية ضعيفة”.

وتبدو هذه الانتخابات مفصلية بالنظر إلى الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي في البلاد.

وأرجأ صندوق النقد الدولي الذي كان من المقرر أن يعطي الضوء الأخضر الإثنين لمنح تونس قرضا رابعا على 10 سنوات (حوالي ملياري دولار)، قراره إلى مطلع يناير بطلب من الحكومة التونسية التي لم يُغلق ملفها بالكامل، على ما أفادت مصادر لوكالة الصحافة الفرنسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى