سياسة

كابوس التقارب يطارد إخوان مصر بتركيا


ضربات متتالية ترهق إخوان مصر لدرجة أن أي بوادر تقارب مع تركيا بات أشبه بكابوس يطارد الهاربين من التنظيم الإرهابي.

هزائم تطال هذه المرة حرمانهم من حاضنتهم الأولى تركيا وقد تدفعهم نحو اليحث عن موطئ قدم بدولة جديدة، يبثون من أراضيها سمومهم ودعواتهم التحريضية، متخذين أسلوبهم المعتاد في ادعاء المظلومية سبيلا إلى ذلك.

حال لم يختلف عن سابقيه طوال السنوات الماضية، لكن هذه المرة بدت وفق مراقبين “القاصمة” لإخوان مصر في تركيا ممن لم يعد لديهم مخرجا في ظل انقلاب السلطات التركية عليهم.

وتقول مصادر مطلعة على أوضاع إخوان مصر تركيا أنه تم منح أعداد كبيرة من الإخوان الموجودين على الأراضى التركية الجنسية، فيما بقي عدد محدود ممن صدرت بحقهم أحكاما نهائية فى مصر بلا أوراق ثبوتية أو جنسية.

وسبق أن قدمت مصر، عبر نشرة رفعها مكتب التعاون الدولي للشرطة الدولية (الإنتربول)، قائمة تضم أكثر من 60 اسما من قيادات الإخوان المطلوبين على ذمة قضايا إرهاب وصادرة ضدهم أحكام لتسهيل عملية ضبطهم.

وبين حين وآخر، تجدد القاهرة نشرة المطلوبين أمنيا على قوائم الإنتربول، وتعيد إرسالها لدول العالم في إطار ضعط مستمر لرفع غطاء الإرهاب عن عناصر الإخوان الهاربة والمدانة بارتكاب جرائم إرهابية.

مصادر ومراقبون أوضحوا أن تركيا منفتحة على تقديم تنازلات لكن هذا سيتم عبر مراحل لاسيما أن المفاوض المصري يضع ملفات اخرى لا تقل أهمية عن وقف أي نشاط عدائي للقاهرة من داخل الأراضي التركية. 

وسبق وحددت القاهرة الملفات ذات الاولوية على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري، في تصريحات تلفزيونية،عندما علق على ملفات ليبيا وشرق المتوسط والإخوان، قائلا: “بالتأكيد هذه الملفات ذات أهمية كبيرة خاصة ما يتصل بأمن واستقرار مصر وأمنها القومي.. أمور لا يمكن التنازل عنها ولا يمكن تجاوزها، ولا بد من التعامل بمصداقية، وأن يتم رصد التحول والابتعاد التام عن أي شيء يزعزع استقرار مصر، سواء الداخلي أو من خلال التهديد لأمنها القومي سواء في النطاق الإقليمي أو الدولي”.

واليوم الثلاثاء، تبدأ زيارة نائب وزير الخارجية المصري حمدي لوزا إلى أنقرة لإجراء جولة ثانية من “المباحثات الاستكشافية”بين البلدين عقب تعثرها.

وتعد هذه الزيارة الرسمية الأولى لوفد مصري إلى تركيا منذ 8 أعوام، بعد تدهور العلاقات في أعقاب سقوط حكم تنظيم الإخوان في يوليو/تموز 2013، وإيواء أنقرة عددا كبيرا من عناصر التنظيم.

تنازلات صعبة 

أحمد بان؛ الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، يرى أنه “تم منح جميع الإخوان الموجودين على الأراضى التركية الجنسية فيما عدا عدد محدود ممن صدرت بحقهم أحكاما نهائية فى مصر، أما مقرات التنظيم هناك، فتوقف معظمها بعد قطع الدعم المالي حيث كانت تتمظهر فى جمعيات أهلية أو مراكز أبحاث”.

قال الخبير المصري إن “الأتراك منفتحون على تقديم تنازلات ومنها تسليم عدد من الإخوان ودفع البعض لمغادرة تركيا فى سياق الحصول على منافع متبادلة مع مصر”. 

ولا يبدو رأي “بان” وحده الذي يتفق بشأن تقديم تركيا لتنازلات، حيث يقول سامح إسماعيل الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية إن “تركيا على موعد مع تقديم التنازلات الصعبة”، مشيرا إلى أن “النظام التركي يحاول الوصول إلى علاقة طيبة مع القاهرة يمكن من خلالها الاستغناء عن ورقة الإخوان التي أصبحت محروقة تماما لأنها لم تؤدي دورها الوظيفي كما أراد”. 

الشتات الثاني

وتحمل زيارة الوفد المصري اليوم لأنقرة دلالات واضحة، يأتي على رأسها أن الوفد يترأسه نائب وزير الخارجية المصري السفير حمدي لوزا وهو أعلى تمثيل سياسي لزيارة رسمية إلى تركيا منذ عام ٢٠١٣.

ويعلق إسماعيل عن ذلك بالقول إن “محادثات اليوم تعكس أن مسار الجولات الاستكشافية السابقة يبدو أنه كان إيجابيا وأن هناك تلاقي في وجهات النظر مع القاهرة التي لا تتحرك بمفردها ولكن وفق إطار تكتل عربي، واضعة نصب أعينها مصالحها القومية والأمنية”. 

ويضيف: “هناك ضغط واضح على أنقرة دفعها لاتخاذ قرارات جديدة والمضي قدما في سياسات جديدة قد تؤدي إلى تقييد حركة الإخوان”. 

ومن ضمن هذه السياسات، وفق إسماعيل، ما يتم تدوله بشأن غلق قصر نائب مرشد الإخوان في تركيا، معتبرا أنه “في حال تأكد الخبر، فإنه يدل على أن الجماعة على موعد مع الشتات الثاني بعد الشتات التركي”.

وربما ما يفسر حالة الشتات، يتابع، محاولات الجماعة المستمرة في البحث عن ملاذات آمنة جديدة، كدول أوروبية مثل هولندا وكندا التي فر إليها مؤسسو حركة “حسم” الإخوانية، المدرجين على قوائم الإرهاب الأمريكية، وكذلك دول أخرى مثل ماليزيا ومؤخرا أفغانستان. 

ولم يستبعد مراقبون أن الإخوان يرون في أفغانستان ملاذا آمنا محتملا بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم، وهو ما يفسر حالة الاحتفاء التي سادت أوساط التنظيم الدولي، ومسارعة فرعيه في غزة وسوريا بالتهنئة. 

ويقول سامح إسماعيل: “تنظيم الإخوان فرع سوريا يلعب دور العراب، سارع بتهنئة طالبان في الوقت الذي كانت فيه القوات التركية ماتزال في مطار إسطنبول ما يدل على أن الإخوان دخلوا على خط الأزمة بين تركيا وطالبان”. 

ويفسر: “إخوان سوريا من جهة يحاولون لعب دور الوسيط للمحافظة على وجودهم داخل الأراضي التركية، ومن جهة أخرى فتح مسارات جديدة للجماعة واستكشاف إمكانية البحث عن ملاذ آمن في أفغانستان”.

ورغم هذه المحاولات المستميتة للبقاء وأحلام العودة للمشهد السياسي، فإن البنية التنظيمية للجماعة الإرهابية أضعف من بيت العنكبوت خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يكشفه الباحث المصري أحمد بان بالقول إن “الجماعة استكملت أطوار حياتها وباتت غير قادرة على تجديد نفسها بنفس الكيفية في السابق”. 

ومستدلا على حالة الصراعات والانشقاقات التي يعاني منها الإخوان في تركيا بالوقت الراهن، أشار إلى انقسامهم لـ٤ مجموعات؛ واحدة تدين بالولاء لإبراهيم منير، وأخرى تدين بالولاء للإخواني محمود حسين (كان يدير منصب الأمين العام للجماعة) والثالثة للإرهابي محمد كمال (مؤسس الجناح المسلح داخل التنظيم وقتل على يد قوات الأمن المصرية) والمجموعة الأخيرة تدين بالولاء للإخواني الهارب يحيى موسى.

الفقدان الأكبر

ورغم حالة الانقسام التي يشهدها التنظيم، إلا أن التأثيرات السلبية لأي تقارب تشهده العلاقات بين القاهرة وأنقرة ستكون واحدة عليهم، بحسب قيادي إخواني منشق.

ويقول حازم قريطم، وهو من قيادات الإخوان المنشقة عنهم منذ قرابة 13 عاما لـ”العين الإخبارية”، إن “أي تقارب سياسي بين أنقرة والقاهرة سيعود بالسلب على التنظيم الدولي للإخوان بجميع فروعه، ولاسيما إخوان تركيا.”

وعزا “قريطم” هذه الخسارة أو التداعيات السلبية، إلى الحالة التي سيكون عليها الإخوان، مع هذا التقارب وهي “افتقارهم للظهير السياسي والداعم الرئيسي ومصدر تمويل ومحل إيوائهم لسنوات سابقة، فضلا عن فقدانهم الأكبر لأي أوهام حول المستقبل  طالما أنهم غير قادرين على الاندماج داخل الدولة المصرية والدول العربية”.

ويتابع القيادي المنشق: “ربما يجد الإخوان أنفسهم خارج الأراضي التركية، وقبل ذلك هم على الأقل خارج الحسابات السياسية التركية في المستقبل، كلما اكتملت المحادثات الاستكشافية وكلما تحقق أي قدر من التقارب”.

ويرى “قريطم” أن انعقاد محادثات اليوم في جولة ثانية يبشر بأن التقارب قد ينجح ويؤدي إلى إذابة الجليد في العلاقات، وهذا أكثر ما يخشاه إخوان تركيا.

وحول أوضاعهم الحالية، يعتقد القيادي الإخواني المنشق أن الإخوان في تراجع مستمر خلال السنوات الماضية، وحاليا بات من الصعب وصفهم بالكيان الوظيفي إذ أصبحوا ورقة محروقة لدى الأجهزة الاستخبارتية والدول.

وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت أنقرة استئناف اتصالاتها الدبلوماسية مع مصر، كما وجهت وسائل الإعلام الإخوانية العاملة على أراضيها بتخفيف النبرة تجاه القاهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى