كيف اخترق الروس المخابرات الأمريكية؟
لم تخل صفحات التاريخ من قصص الأبطال، لكن دائما ما كانت قصص الجواسيس الخائنين لبلادهم تدفع للتساؤل عن الأسباب والدوافع.
وفي قصة تعكس خيانة كبيرة، تسبب أحد موظفي المخابرات الأمريكية المركزية في كشف ما لا يقل عن 20 عميلا لبلاده داخل الاتحاد السوفيتي خلال 9 سنوات.
ونتج عن ذلك إعدام العديد من هؤلاء العملاء، وفي المقابل عاش “الخائن” حياة فخمة نتيجة للأموال السوفيتية، التي كانت سببا وراء خيانته لبلاده. فما القصة؟.
بدأت قصة ألدريش أميس مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عندما كان في المدرسة الثانوية، إذ حصل على وظيفة في الوكالة كمحلل سجلات منخفض الرتبة.
وحصل أميس على الوظيفة لأن والده كان يعمل في مديرية العمليات في وكالة المخابرات المركزية. وبعدما تخرج من الجامعة عام 1965، عاد أميس للعمل في وكالة المخابرات المركزية.
وفي عام 1969 تزوج من نانسي سيجبارث التي كانت في برنامج التدريب الوظيفي معه في الوكالة الأمريكية، لكن انتهى بها الأمر بالاستقالة بسبب قاعدة تنظيمية في الوكالة تمنع المتزوجين من العمل مع بعضهم.
وكانت مهمة أميس الأولى في تركيا، وتمثلت في تحديد مكان ضباط المخابرات الروسية لتجنيدهم والحصول على معلومات.
وعلى الرغم من أن أميس جند العديد من الأهداف السوفيتية المهمة لوكالة المخابرات المركزية، إلا أنه لم يتلق سوى ثناء محدود، ما أدى إلى إحباط أميس وجعله يفكر في ترك الوكالة.
لكنه عاد للعمل في مقر الوكالة المخابرات المركزية عام 1972، حيث تولى مهمة تخطيط العمليات وإدارة الملفات، وعلى مر السنين تولى وظائف مختلفة في وكالة المخابرات المركزية.
وتقول الحكمة إنه لا أخطاء بدون دوافع وإن كانت الدوافع ساذجة. وبسبب طلاق أميس من زوجته ووقوعه في حب ماريا ديل روزاريو كاساس دوبوي بعد ذلك، كان أميس تحت ضغط مالي كبير.
وفي أبريل/نيسان 1985، ارتكب أميس أول خيانة من خلال بيع أسرار اعتقد أنها “معلومات غير مجدية” للسوفييت مقابل 50 ألف دولار.
وفي ضوء ذلك، لاحظت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن العديد من عملائها الروس يختفون. كانت الوكالة تدرك أن هناك شيئًا خاطئًا، لكن لم ترغب في القفز إلى استنتاج أن هناك خائنا داخلها.
وكان أميس يلتقي المسؤول عنه في السفارة الروسية أسبوعيًا لتناول طعام الغداء. وبعد كل لقاء، يتلقى ما بين 20 – 50 ألف دولار مقابل المعلومات.
ووفقا لتلك الأرقام الأسبوعية الضخمة، وصل إجمالي ما تلقاه أميس، في نهاية حياته المهنية في التجسس على الولايات المتحدة، نحو 4.6 مليون دولار.
وفي أغسطس/آب 1985، تزوج من خطيبته، لكنه خشي أن تلاحظ وكالة المخابرات المركزية أسلوب حياته الفاخر الذي كان يتجاوز كل ما يمكن أن يتحمله راتب وكالة المخابرات المركزية، لذلك ادعى أن زوجته جاءت من عائلة ثرية.
حتى أنه، في عامي 1986 و1991، أُجبر على إجراء اختبار كشف الكذب، وخشي ألا يجتازه، لكن أخبرته المخابرات السوفيتية أن يظل هادئا أثناء الاختبار، واجتازه في المرتين دون مشكلة.
بداية خيط الحقيقة كان عام 1990، إذ علمت وكالة المخابرات المركزية أن هناك جاسوسا في نظامها الداخلي، لكن لم تكن متأكدة من هويته.
وتوالت الحقائق في الظهور، فقدم الموظفون شكاوى إلى رؤسائهم بأن أميس يعيش خارج إمكانات أي موظف في وكالة المخابرات المركزية وأن زوجته لم تكن ثرية كما ادعى.
وفي عام 1993، بدأت وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي تحقيقًا ضد أميس، استخدموا خلاله المراقبة الإلكترونية، وقاموا بتمشيط مخلفاته، ووضعوا جهازا في سيارته لتتبع تحركاته.
وألقي القبض على أميس وزوجته ماريا في 24 فبراير/شباط 1994، من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وفي 28 فبراير/شباط 1994، وجهت إليه وزارة العدل الأمريكية تهمة التجسس لصالح الروس، واعترف بالذنب وحكم عليه بالسجن مدى الحياة دون إمكانية الإفراج المشروط.