لبنان يغلق باب التفاوض مع طهران حول سلاح حزب الله
يعكس رفض وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي دعوة رسمية لزيارة طهران، مقترحا عقد لقاء في دولة ثالثة محايدة يتم التوافق عليها، التوتر بين البلدين على خلفية ملف سلاح حزب الله، ويبعث هذا الموقف برسالة قوية للداخل اللبناني مفادها أن بيروت ترفض الرضوخ للضغط الإيراني، وأخرى للمجتمع الدولي تؤكد أن البلد يسعى للابتعاد عن المحاور المتصارعة.
ويشير اقتراح رجي عقد اللقاء في بلد ثالث إلى الحرص على تفادي الضغط المباشر لطهران، وتأكيد على مبدأ الحياد الذي تتبناه قوى سياسية لبنانية كبرى. ويُعد هذا الموقف تصعيداً نوعياً في التعامل مع الجمهورية الإسلامية، خاصة وأن الدعوة كانت مقدمة من وزير خارجيتها عباس عراقجي، لمناقشة العلاقات الثنائية.
وبدل أن تكون زيارة طهران فرصة لـ”تلطيف الأجواء” بين البلدين، على الأقل ظاهرياً، يحمل هذا الرفض إعلاناً عن أزمة ويشير إلى عمق الخلاف حول ملف حزب الله اللبناني.
وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي دعا نظيره اللبناني الأسبوع الماضي لزيارة طهران في المستقبل القريب لمناقشة العلاقات الثنائية.
وقال رجي إن لبنان على استعداد “لإرساء عهد جديد من العلاقات البناءة مع إيران، شريطة أن تكون قائمة حصرا على الاحترام المتبادل والمطلق لاستقلال وسيادة كل بلد وعدم التدخل في شؤونه الداخلية بأي شكل من الأشكال وتحت أي ذريعة”.
وفي إشارة واضحة إلى الدعوات لنزع سلاح جماعة حزب الله المتحالفة مع إيران، شدد رجي على “قناعة ثابتة بأن بناء أي دولة قوية لا يمكن أن يتم إذا لم تحتكر الدولة وحدها بجيشها الوطني حق حمل السلاح، وتكون صاحبة القرار الحصري في قضايا الحرب والسلم”.
وأضعفت هجمات شنتها إسرائيل العام الماضي بشدة جماعة حزب الله التي كانت قوة سياسية مهيمنة ذات نفوذ واسع على الدولة اللبنانية. وانتهت الغارات بوقف إطلاق نار بوساطة أميركية. ويتعرض الحزب لضغوط محلية ودولية متزايدة لإلقاء سلاحه وتسليم كامل ترسانتها للدولة.
وزار علي لاريجاني، المسؤول الأمني الإيراني الكبير، بيروت في أغسطس/آب وحذر لبنان من الخلط بين “الأعداء والأصدقاء”. وقال عراقجي في يونيو/حزيران إن طهران تسعى إلى فتح “صفحة جديدة” في العلاقات.
ويُمكن القول إن سلاح حزب الله هو نقطة اللاعودة بالنسبة لإيران، وتداعيات الإصرار عليه تعني أن العلاقات مع بيروت ستظل محكومة بصراع إرادات بين السيادة اللبنانية والمصالح الاستراتيجية الإيرانية
وترى الدول العربية والولايات المتحدة وأوروبا في رفض حزب الله نزع سلاحه دليلا على سيطرة إيران على القرار اللبناني، ما يدفع المجتمع الدولي والخليجي إلى التردد في تقديم الدعم الاقتصادي والمالي اللازم لإنقاذ لبنان، مما يزيد من الضغوط على بيروت
وتتطلب أي إصلاحات سياسية أو مالية حقيقية إصلاحاً جذرياً لملف الأمن القومي، وهذا مستحيل في ظل رفض إيران التخلي عن سلاح الحزب، مما يضع الدولة اللبنانية في حالة شلل مستمر.
وتستند إيران في إصرارها على بقاء سلاح الجماعة الشيعية التي تدعمها إلى ثلاثة دوافع استراتيجية رئيسية: وهي الردع الإقليمي ضد إسرائيل (المعادلة الأهم)، كما تعتبر الحزب “خط الدفاع الأمامي” الذي يمنع الدولة العبرية من التوسع أو شن هجوم كبير ضد لبنان أو ضد المصالح الإيرانية في المنطقة.
ويتيح سلاح الحزب لإيران ممارسة نفوذ غير مباشر على الأحداث الإقليمية، والمشاركة في الصراعات دون الحاجة لتدخل عسكري مباشر وعلني. وبالتالي فإنها تتوجس من تجريد الجماعة من ترسانتها، ما يعني مزيد إضعافها مما قد يفتح الباب أمام قوى سياسية مناوئة لها لاستعادة زمام الأمور، وهذا يهدد إنجازاتها على مدى عقود.
