لتعزيز مناخ الثقة.. خطوات فرنسية إضافية باتجاه المغرب
يسعى المسؤولون الفرنسيون إلى طي صفحة الخلافات مع المغرب والمضي قدما في التعاون لإبرام اتفاقيات على مختلف الصعد في زيارات متتالية خلال الأسابيع المقبلة، في إطار تعزيز مناخ الثقة وتعزيز العلاقات استكمالا لخطوات بدأها وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنييه.
ويعد البلدان حليفين تقليديين وتريد باريس اليوم إقامة شراكة استثنائية، وذكرت مصادر مغربية مطلعة أن زيارات مرتقبة لوزراء فرنسيين ستتم خلال شهر رمضان للتنسيق وعقد اتفاقيات في مجالات مختلفة، حيث أكد سيجورنيه أكثر من مرة إن العلاقات المغربية الفرنسية “غير عادية ومتفردة ولا مثيل لها ومتجذرة في التاريخ وقائمة على مصالح متبادلة وعلاقات قوية”.
وفي الرباط، قال سيجورنيه إثر مباحثات أجراها مع نظيره المغربي ناصر بوريطة في فبراير/شباط الماضي إن “هناك رابطا استثنائيا بين فرنسا والمغرب، والرئيس (إيمانويل ماكرون) يريد لهذا الرابط أن يظل فريدا من نوعه ويتعمق أكثر خلال الأشهر المقبلة”.
وأردف سيجورنييه أن “المغرب وفرنسا يريدان حلا سياسيا عادلا ومستداما للطرفين، وكنا أول بلد يدعم مخطط الحكم الذاتي في 2007″، معتبرا أنه آن الأوان للمضي قدما.
موعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرباط لا يزال غير محدد والاتفاق عليه يتم في أعلى مستوى ويتطلب تنسيقا تاما بين البلدين
ويبدو أن الفرنسيين يحاولون استعادة “العصر الذهبي” للعلاقات بين باريس والرباط خلال حقبة الملك الراحل الحسن الثاني الذي وصف الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان بأنه صديق مقرب. لكن العلاقات تدهورت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى درجة إرجاء زيارة مقررة لماكرون في 2022 للمملكة عدة مرات وتصريح السلطات المغربية في سبتمبر/أيلول 2023 بأنها “ليست على جدول الأعمال”.
وكان العاهل المغربي قال في أغسطس/آب 2022 “ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل” مضيفا “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.
وبحسب المصادر لا يزال موعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى الرباط غير محدد والاتفاق عليه يتم في أعلى مستوى، ويتطلب تنسيقا تاما بين البلدين.
وبهدف إعادة العلاقات إلى دفئها القديم، جدد الوزير الفرنسي دعم باريس “الواضح والمستمر” لمقترح المغرب بمنح الحكم الذاتي للصحراء المغربية وقال سيجورنيه “نعرف إنه رهان وجودي بالنسبة للمغرب”.
ويقول محللون أن العلاقات ستعود لسابق عهدها في حال تماهى الموقف الفرنسي مع نظيره الأميركي بشأن الصحراء المغربية.
وفي 25 فبراير/شباط الماضي وصف وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، في ندوة صحافية عقدها مع نظيره الفرنسي العلاقات بين الرباط وباريس بأنها “علاقة دولة بدولة”، يرعاها العاهل المغربي الملك محمد السادس ويشرف عليها رفقة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأساسها المتابعة لرئيسي البلدين، معتبرا أن المملكة تعتبر باريس شريكا متميزا على المستوى السياسي والاقتصادي والإنساني “وعلاقاتنا تتجدد وتتطور في المضمون والفاعلية والمقاربة لتساير التطورات التي يشهدها العالم.
وأضاف “المغرب بفضل رؤية الملك أصبح قطب استقرار وفاعلا أساسيا في شمال إفريقيا والبحر الأبيض والقارة الإفريقية، ويوفر فرصا مهمة لشركائه، لذلك فهو شريك مطلوب ومرغوب”. واعتبر أن العلاقات المغربية الفرنسية “يجب عليها أن تتجدد وفق مبادئ احترام وتنسيق ومتبادل لتكون على حق علاقة دولة بدولة” .
وكشف بوريطة أن مباحثاته مع نظيره الفرنسي كانت تدور حول التحضير لاستحقاقات قادمة، وتم الاتفاق على زيارات قطاعية متبادلة في الأسابيع المقبلة، وكذلك اتفاقيات تجعل من هذه الاستحقاقات نقطة تحول.
كما تباحثا حول كيفية التعامل بشكل مشترك في القارة الإفريقية والساحل كونهما لديها مصالح متقاربة في هذه المناطق. وقال بوريطة إن المغرب وفرنسا مستعدان للاستفادة من المكتسبات وكيفية تطبيقها مع الواقع الجديد، مجددا تأكيده أن زيارة ستيفان سيجورنيه الأولى للمغرب بعد تعيينه والأولى للمنطقة وإفريقيا “مهمة وتفتح المجال لاستحقاقات مقبلة”.
ويعد ملف الصحراء المغربية أولوية بالنسبة للمغرب في نسج التحالفات والعلاقات مع باقي الدول، ما يفرض على فرنسا اتخاذ مواقف متقدمة في هذا الملف لتأكيد نيتها في التعاون مع الرباط، لاسيما مع الابتزاز الذي تحاول الجزائر ممارسته مع عدد من الدول فيما يخص علاقاتها بالمغرب، وهذا ما أظهرته محاولات الضغط الفاشلة التي مارستها مع إسبانيا بعد توصلها إلى مراحل متقدمة من الشراكة مع المغرب.
وفقدت فرنسا صفتها كشريك اقتصادي أول للمغرب لصالح إسبانيا في سنة 2022 وهي اليوم تتبنى سياسة المراحل لاستعادة مكانتها التجارية في المغرب، باستكشاف مجالات جديدة للتعاون في ميادين الصناعة والطاقات المتجددة والشراكات الثلاثية لتعزيز الروابط الاقتصادية القوية بين البلدين.
وبحسب خديجة محسن فينان الدكتورة في العلوم السياسية والباحثة في العلاقات الدولية في جامعة باريس1، فإن باريس أخطأت عندما اعتقدت أن الجزائر هي الأكثر نفوذا في منطقة الساحل، فذلك كان قبل سلسلة الانقلابات العام الماضي في دول المنطقة.
وأضافت أن المغرب يملك امتدادا روحيا- دينيا وثقافيا قديما لدى بعض قبائل المنطقة في حقبة السلطنة المغربية (السلطنة الشريفة). وبعثت المملكة في السنوات الأخيرة روحا جديدة في هذه العلاقات فيما يعرف بالقوة الناعمة. واستفادت من علاقاتها مع إسرائيل التي تملك روابط جيدة مع عدد من دول الساحل”