لماذا انسحب سعد الحريري من المشهد السياسي؟
في ظل الأزمات العديدة التي تسيطر على البلاد توترات كثيرة تشهدها الساحة السياسية في لبنان، منذ قرار رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري تعليق نشاطه السياسي.
انسحاب الحريري
وقد أعلن رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري تعليق نشاطه السياسي. وكذا امتناعه عن الترشّح للانتخابات النيابية المُقرّر إجراؤها في مايو المُقبل. وأكدا أنه لن يتقدّم كذلك بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسم التيار.
كما أعلن رئيس الحكومة السابق والزعيم السني الأبرز في لبنان سعد الحريري، الاثنين الماضي، “تعليق” نشاطه في الحياة السياسية وعزوفه عن الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة، لاقتناعه بأن “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني”.
وقال الحريري، في خطاب مقتضب ألقاه من دارته في وسط بيروت: إن “تعليق عملي بالحياة السياسية ودعوة عائلتي في تيار المستقبل (الذي يترأسه) لاتخاذ الخطوة نفسها”، مشيرا إلى “عدم الترشّح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسمه”.
وعن أسباب قراره، قال الحريري: إن القوة السياسية والعسكرية الأبرز في لبنان باتت هي المدعومة من إيران، إن “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبّط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”.
وأضاف: إنه “لا شكّ أن منع الحرب الأهلية فرض علي تسويات”، موضحا “هذا كان سبب كل خطوة اتخذتها، كما كان سبب خسارتي لثروتي الشخصية وبعض صداقاتي الخارجية والكثير من تحالفاتي الوطنية وبعض الرفاق وحتى الإخوة”، واختتم خطابه بجملة “أستودع الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب“.
الحريري والحياة السياسية
وجاءت هذه الخطوة بعد سلسلة انتكاسات للحريري مالياً وسياسياً في السنوات القليلة الماضية. وفي ظل أزمة سياسية واقتصادية ومالية حادة تشلّ لبنان منذ عامين. إذ دخل معترك السياسة بعد اغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في عام 2005.
وقاد الحريري بعد دخوله العمل السياسي، فريق “قوى 14 آذار” المعادي لسوريا الذي ساعد في اغتيال الحريري وغضب الشارع اللبناني، بتحقيق فوز كبير في البرلمان، ما ساهم في إخراج الجيش السوري من لبنان بعد نحو ثلاثين سنة من تواجده فيه، وفقا لموقع “فرانس 24”.
وترأس الحريري ثلاث حكومات منذ عام 2009، وقدّم استقالة حكومته الثالثة بعد نحو أسبوعين من بدء التحركات الشعبية المناهضة للطبقة السياسية في 17 أكتوبر 2019.
ولم يتمكن رغم تسميته مجددا في 22 أكتوبر 2020 لتشكيل الحكومة، من إتمام مهمته على وقع النقمة الشعبية وانقسام سياسي حاد.
وفي الانتخابات الأخيرة عام 2018 التي كرّست نفوذ حزب الله، تراجع حجم كتلة الحريري النيابية بنحو الثلث، وأعاد البعض انخفاض شعبيته إلى تنازلات سياسية قدمها معللاً إياها بالحفاظ على السلم الأهلي.
فراغ سياسي
ووفق محللين من شأن ابتعاد الحريري وتياره، أن يخلّف فراغاً في الساحة السنية التي يعد تياره الأكثر تمثيلاً لها، خاصة أن ذلك القرار يأتي قبل أشهر من الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في مايو المقبل، والتي ينظر كثير إليها كفرصة لإحداث تغيير، ولو ضئيل، إلا أن تداعيات الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت وقتل أكثر من مئتي شخص، ساهمت في إحباط اللبنانيين تدريجياً.
وعلقت مديرة مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط، مهى يحيى، بأن عزوف الحريري قد “يمهّد لمقاطعة سنيّة للانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة التي من المرجح أن تؤجل“.
وأكدت يحيى أن ذلك القرار “سيشكل تأكيداً للفراغ في القيادة السياسية السنية خصوصاً إذا تبنى سياسيون سنة آخرون قرار سعد الحريري”، من دون أن تستبعد أن تلجأ قوى سياسية رئيسية في البلاد إلى المطالبة بعد هذا القرار بتأجيل الانتخابات.
تداعيات على حزب الله
وفي تحليل مقتضب من باحثي كارنيغي، أكد أن إعلان الحريري تعليق نشاطه السياسي وعدم ترشّحه للانتخابات النيابية يحرم سنّة لبنان من الممثّل الأبرز لطائفتهم؛ إذ تسود حالة من القلق والاضطراب في أوساط عدد كبير من السنّة، فضلا عن حلفاء الحريري السياسيين، حول الفراغ السياسي الذي سينشأ داخل الطائفة على إثر هذا القرار، وسيتهافت الكثير من هؤلاء الحلفاء، ولاسيما الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، لحشد الناخبين السنّة المتعاطفين في الدوائر الانتخابية حيث ثمة أعداد كبيرة من السنّة القادرين على التأثير في نتائج الانتخابات.
كما سيؤدّي خروج الحريري من المشهد السياسي على الأرجح إلى إثباط عزيمة السنّة أو تشرذم أصواتهم، ما سيفسح المجال أمام خصوم الحريري، ولاسيما حزب الله والتيار الوطني الحر، للحصول على مقاعد إضافية، ولتجنّب حدوث ذلك، قد يحاول أعضاء من تيار المستقبل الحفاظ على التماسك الداخلي لحزبهم من خلال تقديم لوائح مرشحين في جميع أنحاء البلاد غير مدعومين رسميًا من الحريري أو من تيار المستقبل، إنما كانوا سيحظون بتفضيل رئيس الوزراء السابق.
واختتم التحليل بطرح عدة أسئلة هامة بشأن التداعيات والنتائج، هي: “والأهم، في حال أحدث انسحاب الحريري من المشهد السياسي مقاطعةً انتخابية أوسع في صفوف المرشحين السنّة البارزين، هل ستدخل الحياة السياسية اللبنانية مرحلةً جديدة؟ قد تشكّل المرحلة المقبلة إنذارًا سنّيًا لحزب الله، مفاده: طالما أنه يسعى إلى تحقيق المصالح الإيرانية، سيضطرّ إلى الحكم من دون شريك سنّي. وماذا سيكون في مقدور الحزب فعله من دون غطاء سنّي، وفي ظل تراجع التأييد المسيحي له بوتيرة متسارعة؟ على ضوء كل هذه المعطيات، بات احتمال إجراء الانتخابات أبعد منالًا من أي وقتٍ مضى”.
نتائج خطيرة
كما اعتبر الناشط المدني اللبناني سيركيس وهبي أن هناك عدة نتائج خطيرة لقرار الحريري، على رأسها أن لبنان ستشهد مرحلة بالغة الخطورة، ومواجهات سياسية عنيفة، في ظل المواجهة مع إيران وحزب الله؛ لذا من الممكن أن تتعرض بيروت للمزيد من الانهيارات الأمنية والاقتصادية وتصعيد على كل المستويات.
ويرى سيركيس أن تعليق سعد الحريري لنشاطه السياسي جاء بسبب عدة أزمات متفاقمة ومتراكمة في لبنان، ما يعني أن الأوضاع بلغت منعطفا خطيرا يريد الحريري أن يخرج نفسه وتياره منه حتى لا يتحمل نتائجه.
ويرى أن المرحلة القادمة صعبة ومصيرية وتتطلب مواقف شجاعة من الطبقة السياسية لمواجهة الأصعب ولتفادي المزيد من الخراب في لبنان؛ إذ اعتبر أن قرار الحريري يعني أن النظام اللبناني انتهى ولم يعد قادرا على إنقاذ البلاد.