اخترنا لكم

لماذا يتجه أردوغان نحو مزيد من التصعيد في سوريا؟

رشا عمار


فصل جديد من ممارسة سياسة الضغط القصوى على المجتمع الدولي بدأته تركيا قبل أيام بتكثيف ضرباتها العدوانية على مناطق عدة في شمال شرقي سوريا، بالتزامن مع توترات كبيرة تواجهها أنقرة بالداخل والخارج وقرارات مرتقبة بفرض عقوبات أوروبية صارمة عليها، من شأنها أن تدفع بالبلاد إلى مزيدٍ من الانهيار والفوضى في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها وتمثل ضغطاً غير مسبوق على نظام الرئيس رجب طيب أردوغان.

وبالرغم من محاولات النظام التركي المستميتة لإثبات قوته بالتماهي مع تنفيذ عمليات عسكرية بعدة مناطق خارج حدوده الجغرافية كما في ليبيا وسوريا وقرة باغ، إلا أنّ الضغوط تبدو أكبر منه بمراحل، وبدا تأثيرها واضحاً في القرارات الداخلية التي شرع بها أردوغان مؤخراً خاصة ما يتعلق بتوسيع نطاق الاعتقالات والتضييق على حرية الرأي.

وفي المقابل فشلت جميع المحاولات التي حاول النظام التركي من خلالها وقف نزيف الاقتصاد وتضميد جراحه، وصعود المعارضة شعبياً على حساب تساقط أوراق أردوغان في الشارع، وكلها أسباب جعلت مراقبين يصفون قرار تركيا بتكثيف العدوان على سوريا في هذا التوقيت بأنّه لا يعدو كونه ورقة ضغط تحاول أنقرة من خلالها إثبات حضورها في ميزان القوى الدولية، خاصة أنّ عملياتها في ليبيا وكذلك تحركاتها في مياه شرق المتوسط أملاً في الحصول على إذن شرعي للتنقيب عن الغاز، قد مُنيت جميعها بالفشل.

هجمات مكثفة وتحذيرات من عودة “داعش”

خلال الأيام الماضية كثفت القوات التركية والفصائل الموالية لها عدوانها العسكري على عدة مناطق في الشمال السوري، ووسّع الجيش التركي قصفه على قرى بالقرب من ريف الحسكة ودير الزور، فيما وصفه مراقبون بأنه مساعدة صريحة من تركيا لعودة تنظيم داعش في المناطق التي يستهدفها بالقصف، خاصة أنّ عشرات من قيادات التنظيم نجحوا في الفرار من السجون بعد فوضى خلفها القصف التركي لتلك المناطق.

يقول الكاتب السوري، شيار خليل، مدير تحرير مؤسسة “ليفانت” إنّ “الضربات التركية لم تتوقف على شمال وشمال شرقي سوريا مطلقاً، حيث تسعى القوات التركية بالتعاون مع المرتزقة ممّا يسمى “الجيش الوطني السوري” باستهداف المناطق الحدودية التابعة للإدارة الذاتية للضغط عليها ونشر الفوضى والرعب في تلك المناطق”، مشيراً، في حديثه لـ”حفريات”، إلى أنّ “ما تقوم به تركيا ليس وليد اللحظة، وإنّما مخطط استراتيجي تعمل عليه تلك القوات، وأحياناً بالاتفاق مع الجانب الروسي؛ وبالتالي النظام السوري، للضغط على الإدارة الذاتية بتسليم مناطق سيطرتها إلى القوات الروسية أو النظام السوري، كما يحدث الآن في عين عيسى، حيث تضغط المدفعية التركية الجانب الكردي للتفاوض مع الروسي لعقد اتفاق بين الجانبين بانسحاب قوات سوريا الديمقراطية من المنطقة وتسليمها للنظام أو غزو القوات التركية ومرتزقتها للمنطقة”.

وبشكل عام يضع مراقبون العدوان التركي المتكرر على شمال سوريا كأحد أهم الأسباب التي ساعدت على عودة تنظيم “داعش” للتمحور داخل حدوده الجغرافية التقليدية في الشام والعراق، خاصة في البادية السورية، محذرين من مغبة استمرار الهجمات التركية على تلك المناطق التي تستهدف قوات “قسد” التي تحارب “داعش” على مدار السنوات الماضية.

ويتابع خليل أنّ “هذه الفوضى المدروسة تساهم في خلق الفوضى والرعب في الجانب السوري المستهدف، وبالتالي انتشار الخلايا النائمة لداعش بين القرى والمدن، وكما لاحظنا في الفترات الأخيرة تم استهداف العديد من القيادات ورؤساء العشائر في المنطقة، وصرحت قوات سوريا الديمقراطية لعدة مرات بأنها ألقت القبض على خلايا نائمة لداعش في الرقة والحسكة والمناطق التي تسيطر عليها، وكل ذلك برأيي مرتبط بحالة الفوضى التي ترغب تركيا بنشرها في المنطقة”.

مكايدة أمريكية روسية على حساب السوريين

ويرى خليل أنّ “الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد ساهم في تمهيد الطريق لنظيره التركي أردوغان بدخول المنطقة واستهدافها بحجة مكافحة الإرهاب وتحت أسماء مثيرة للسخرية كـ”نبع السلام” الذي شرد الناس وقتل الأهالي ودمر منازلهم، فحسب معطيات منظمة الصحة العالمية قامت القوات التركية مع الميليشيات الجهادية المتحالفة معها بإرغام 200.000 شخص على الهرب، آنذاك، بالتزامن مع عملية إعدام وقتل جماعية لناشطين ومقاتلين كرد في رأس العين/سري كانييه والمناطق المحيطة بها، كما أظهرت أشرطة فيديو عديدة هروب مئات وربما آلاف من أنصار “داعش” المعتقلين بشكل جماعي من مخيم يشرف عليه مقاتلون أكراد وعرب من المنطقة”.

يتابع خليل: من الضروري أن يتنبه المجتمع الدولي للعمليات التركية بجلب مقاتلين جهاديين إلى رأس العين بجانب توطين عائلات عراقية في المنطقة لهم ارتباطات بتنظيم داعش الإرهابي، وبالتالي تغيير ديموغرافية المنطقة بأكملها وخلق شريط بشري بين الحدود السورية والتركية، لمحاصرة المناطق الكردية وفرض الهيمنة عليها، وتدجين خلايا إرهابية من هناك للهجوم على مناطق الإدارة الذاتية كما يحدث حالياً.

وكانت الإدارة الذاتية التي يقودها الكرد في الشمال السوري، وجهت، الثلاثاء، نداءً عاجلاً إلى الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية، لإغاثة آلاف النازحين بعد تفاقم الأزمة بفعل الهجوم التركي في شمال شرق سوريا، وقالت في بيان لها إنّ “الأوضاع الانسانية التي يتعرض لها أهلنا النازحون من المناطق التي طالها العدوان تزداد سوءاً، وسط انقطاع تام للمساعدات الإنسانية، وقيام جميع المنظمات الدولية بإيقاف عملها وسحب موظفيها من مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا”، وأضاف البيان أنّ عدد النازحين بلغ أكثر من 275 ألف نازح بينهم 70 ألف طفل.

ويرى خليل أنّ النتائج المترتبة على الضربات التركية الجديدة والمستمرة على مناطق متفرقة في ريف حلب والرقة وعين عيسى وقامشلي والشريط الحدودي الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، تساهم في انتشار خلايا داعش بشكل أكبر، و”الخوف هنا من عودة التنظيم إعادة تشكيل نفسه والهجوم على تلك المناطق، خاصة كل ذلك يتزامن مع حالات استعصاء يقوم بها عناصر التنظيم في سجون الإدارة الذاتية التي تحتوي على نحو 12.000 مقاتل “داعشي”، بجانب وجود الآلاف من أنصارهم في مخيمات خاصة بهم تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية”.

ويوضح أنّ أردوغان يسعى بكل الوسائل إلى تخريب تجربة الإدارة الذاتية، وفرض هيمنة استعمارية على المنطقة، والقضاء على التواجد الكردي في الشريط الحدودي السوري، بحجة مكافحة الإرهاب وملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، بالتزامن مع ضغط روسي على الإدارة الذاتية وتخييرها بين ضربات وغزو أردوغان ومرتزقته وتسليم المنطقة للروس والنظام، مستغلين الفجوة الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية قبل استلام جو بايدن لمهامه، وإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة التي للأمريكان نفوذ عسكري وسياسي فيها.

حفريات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى