اخترنا لكم

“مؤتمر ميونخ للأمن العالمي”.. والتحديات الراهنة

خالد رستم


على مدى ثلاثة أيام شهدت مدينة ميونخ الألمانية ما بين 19 و21 فبراير/شباط، انعقاد مؤتمر الأمن العالمي افتراضياً.

باستضافة الرئيس بايدن والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وقادة غربيين آخرين ومشاركتهم من مواقع أمكنتهم، ويهدف المؤتمر هذا العام إلى تجديد العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، بعد أقل من شهر من تولي بايدن رئاسة الولايات المتحدة ومناقشة قضايا أمنية تتعلق بواقع الحالات الأمنية والسياسات العالمية وتطوراتها الخطيرة في المتوسط والقارة الأفريقية وشمالي العراق وسوريا وليبيا..

بما في ذلك معالجة المناخ والإرهاب الذي عبر القارات مخترقاً الحدود والأسوار، متجاوزاً القيم والأعراف الدولية، وما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية وبجائحة كورونا وتفاعلات التوترات بين الأمم والشعوب. وكان المؤتمر العادي سيشمل أيضاً مشاركة مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة في مجال الأمن العالمي، لكن فعاليات يوم افتتاح المؤتمر غاب عنها فاعلون في غاية الأهمية على غرار الصين وروسيا ودول الشرق الأوسط، ممن لا يوجد ممثلون عنهم في تلك الفعالية، ويمكن في هذا المؤتمر العالمي الاستفادة من المواقف ورسم خطوط حمراء، وتبادل الأفكار لحل النزاعات الأمنية والعالمية. وفي هذا السياق، قال رئيس مؤتمر ميونخ للأمن فولفغانغ إيشينغر “إن المؤتمر الرسمي الذي يضم نحو 30 حلقة نقاش و120 متكلماً مقابل أكثر من ألف مما يطلق عليهم بالثنائيات، يمثل فقط القليل من الكثير، وإذا فشلنا في التوافق حول رؤية مشتركة للصين، فسنواجه مشاكل واحتكاكات لا نهاية لها عبر المحيط الأطلسي، ومصالحنا فيما يتعلق بالصين ليست متطابقة، ولدى الولايات المتحدة التزامات أمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لا يلتزم بها الاتحاد الأوروبي، ما يسمح له بالنظر إلى علاقته مع الصين على أنها علاقات تجارية إلى حد كبير”. وحيال الهيمنة الأمريكية على أنشطة الغرب الاقتصادية والأمنية نشأت لدى الأوروبيين أفكار مستقلة تدّعي ضرورة العمل خارج مناطق التحالف ليس على الطريقة الأمريكية غير المقبولة في عيون دول العالم الثالث، لكن على الطريقة الأوروبية، تلك أفكار أوروبية وجدت في الولايات المتحدة من يستمع لها بل ويشجعها، رغم أنها جاءت لكي تعبر عن نزعة استقلالها العسكرية لحماية مصالحها التي تعارضت قليلاً مع المصالح الأمريكية، أو لنقل إن العوائد الاقتصادية لأوروبا الغربية من خلال علاقاتها مع الدول العربية مثلاً تدر عليها مليارات تنعش اقتصادها وتنقذها من الأزمة التي يؤججها الدولار الأمريكي في سوق العملة، وزيادة أسعار الفائدة، وبالتالي فأوروبا تسعى لحماية مصالحها عسكرياً دون اللجوء إلى عون الولايات المتحدة التي تضع بالضرورة مصلحتها الاقتصادية فوق مصالح الأوروبيين، والإدارة الأمريكية وعت الرغبة الأوروبية هذه، لكنها في الوقت نفسه تمكنت في الحال من استيعابها، لأنها قد تبنتها ودعمتها، وذلك لعلمها بأن القرارات الاستراتيجية الخاصة بحروب التدخل بقيت بيدها ما دام نظام التحالف باقياً. وترى روسيا وجود إمكانية للتعاون والتآزر في بعض مكونات النظام، وليس كلها، لا سيما أن روسيا تدعم نظام الأمم المتحدة الذي يعزز موقف روسيا بوصفها قوة عظمى، وقد انضمت روسيا أيضاً إلى المؤسسات الاقتصادية الدولية الكبيرة، بما في ذلك البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، وتشارك فيها بشكل فعال، وعلى النقيض من ذلك عندما تستشعر روسيا أن عناصر النظام الذي تقوده الولايات المتحدة تمثل تهديداً أمنياً لها أو تقويضاً لنفوذها في البلدان المجاورة لها، حينها تسعى إلى فرض سياسات من شأنها اتخاذ بعض المواقف الأمنية لمواجهة الهيمنة من جانب الولايات المتحدة التي تمثل تهديداً لمصالحها وأمنها، إلا أن هناك عدة مجالات تتداخل فيها المصالح الروسية والأمريكية معاً وقد يكون التعاون فيها مجدياً. وعلى الجانب الآخر، تفوقت الصين على الولايات المتحدة عام 2020م كأكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، وقد وقع الاتحاد اتفاقاً استثمارياً مع الصين، بينما استمرت سياسة التعريفات الجمركية الأمريكية التي تم فرضها خلال إدارة ترامب سارية حتى اليوم تحت حكم الرئيس بايدن، ولا تزال هناك اختلافات خطيرة في السياسة والمسائل الأمنية، بين ضفتي الأطلسي، بل داخل المجتمع الأوروبي نفسه، إذ وقف الاتحاد إلى جانب الولايات المتحدة في الضغط على ألمانيا للتخلي عن خط أنابيب “نورد ستريم 2” مع روسيا، لكن الولايات المتحدة لم تنجح في إقناع الحلفاء باتباع نهج أكثر حذراً مع الصين سواء في التجارة أو تكنولوجيا اتصالات الجيل الخامس. إن أفعال الإدارة الأمريكية السابقة تمحورت حول احتواء الصين والصدام معها، وهي السبب الجذري للمشكلات في العلاقات بين البلدين، والقيادة الصينية ما زالت تطالب صناع السياسة في أمريكا بالكف عن تشويه سمعة وسياسة الصين، والتوقف عن التواطؤ مع القوى الانفصالية، والصين على استعداد لإجراء اتصالات صريحة مع الجانب الأمريكي والدخول في حوارات تهدف إلى حل المشكلات العالقة، وأن يكون لديهما فهم دقيق للنوايا الاستراتيجية لكل منهما، وبالنسبة للصين فإن مسائل مثل تايوان وشينجيانغ والتبت هي قضايا تمثل الخط الأحمر بالنسبة لها، في حين كشف الرئيس الأمريكي جو بايدن عن نواياه تجاه شكل العلاقة القادمة مع الصين، والتي قد تعدها الخصم الاستراتيجي الأول لواشنطن في العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى