اخترنا لكم

ماذا بعد “اتفاق ربع القرن”؟

يحيى التليدي


وافقت الصين على استثمار 400 مليار دولار في إيران على مدى 25 عاماً.

مقابل إمدادات ثابتة من النفط لتغذية اقتصادها المتنامي بموجب اتفاق اقتصادي وأمني شامل تم توقيعه يوم السبت الماضي، الذي وافق الذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإيران.

وبعيداً عن البعد الاقتصادي الذي من المرجح أن يكون الهدف الأساسي للاتفاق الإيراني الصيني، إلا أن البعد السياسي لهذا الاتفاق لا يقل أهمية عن الجانب الاقتصادي الذي يهدف إليه، وهنا فإن التوظيف السياسي لهذا الاتفاق يحظى بالأهمية نفسها، وعلى المستوى ذاته لكل من الصين وإيران في إطار الصراع والمواجهة بينهما وبين الولايات المتحدة الأمريكية.

من المؤكد أن إيران تسعى من وراء الاتفاقية مع الصين إلى رفع بعض الضغط الاقتصادي القاسي جداً، والأهم تحسين موقعها التفاوضي، وهي تلعب الآن على وقت ضائع، من أسبابه عدم وضوح رؤية إدارة الرئيس بايدن، وتأرجح نتائج انتخابات إسرائيل وعدم الاستقرار السياسي الناتج عن ذلك، وقلق المنطقة الناتج عن تغيير سياسة الإدارة الأمريكية.

صحيح أن هذه الاتفاقية لافتة وخطيرة، ولكن تفسيرها بأن الصين ستلعب دورا محوريا في شؤون المنطقة على حساب أمريكا أمرٌ مبالغ فيه، الصين لم يعرف لها سياسة خارجية هجومية، ولا تريد أن تكون طرفاً في الحروب، وتتجنب سياسات المحاور في منطقتنا، ما تريده الصين هو تعزيز نفوذها في المنطقة، ولكن بحذر وبعيداً عن الصدام مع واشنطن، ويهمّها أيضاً ما يوصف بطريق الحرير التجارية التي تمر من إيران، وهي ترى أن الوضع الإيراني المهترئ يعطيها فرصة سانحة للدخول بأقل الأثمان.

لا نحتاج إلى تفكير عميق لمعرفة أين مصلحة الصين إذا ما خُيرت بين إيران والغرب. صادرات الصين إلى الولايات المتحدة العام الماضي نحو 500 مليار دولار وإلى الاتحاد الأوروبي ما يفوق 700 مليار دولار، مقارنة بحجم لا يتعدى 10 مليارات إلى إيران. وأمّا إيران فإنها لن تنقذها كل اتفاقيات العالم إذا لم تُرفع العقوبات الأمريكية عنها وإذا بقيت خارج النظام المالي العالمي الذي تقوده أمريكا، بل إن هذا الاتفاق مع بكين أظهر ضعفها مما يستوجب ممارسة المزيد من الضغوط القصوى عليها، وحينها ستأتي لطاولة المفاوضات بتنازلات لا بشروط.

من المبكر الحكم على نجاح أو فشل هذا الاتفاق، وتبقى تدخلات إيران في المنطقة والعدوانية في تصرفاتها التحدي الأهم أمام الصين والذي قد لا يسمح لها بأن تحصل على ما تريد، لهذا قد تكون بكين عنصراً لاجماً لإيران، ومن الممكن أن تبيع هذا للأمريكيين في المفاوضات المستقبلية، وإذا لم تنجح فبكل سهولة تنسحب وتترك إيران تتخبط في مصائبها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى