سياسة

مبادرة رمزية من مقاتلي العمال الكردستاني: حرق البنادق إعلانًا للسلام


في بادرة تطوي عقودا من التمرّد، أحرق ثلاثون من مقاتلي حزب العمال الكردستاني أسلحتهم عند مدخل كهف في شمال العراق اليوم الجمعة، في خطوة أولى رمزية لكنها مهمة نحو إنهاء الصراع الذي استمر عقودا مع الدولة التركية.

وأظهرت لقطات من المراسم المقاتلين، ونصفهم من النساء، وهم يصطفون لوضع بنادق هجومية من طراز إيه.كيه – 47 وأسلحة أخرى وأحزمة حمل الذخائر في مرجل رمادي كبير. وفي وقت لاحق، تم إشعال النار في البنادق السوداء الموجهة نحو السماء، بينما كان مسؤولون أكراد وعراقيون وأتراك يتابعون المشهد من مكان قريب.

وقرر حزب العمال الكردستاني، الذي خاض صراعا داميا مع الدولة التركية منذ 1984، في مايو/أيار حل نفسه وإنهاء صراعه المسلح بعد دعوة علنية من زعيمه المسجون منذ فترة طويلة عبدالله أوجلان.

وبعد سلسلة من جهود السلام التي لم تكلل بالنجاح، يمكن أن تمهد المبادرة الجديدة الطريق أمام أنقرة لإنهاء التمرد الذي أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص وتسبب في عبء اقتصادي مهول وأثار توترا اجتماعيا وأحدث انقسامات سياسية عميقة في تركيا وفي المنطقة.

وأقيمت المراسم عند مدخل كهف جاسنه في بلدة دوكان على بعد 60 كيلومترا شمال غربي السليمانية في إقليم كردستان العراق. وقالت مصادر مطلعة على الخطة إنه من المقرر أن يسلم نحو 40 من مقاتلي الحزب وقائد واحد أسلحتهم. ولم يتضح بعد موعد تنفيذ عمليات تسليم أخرى.

وكان المقاتلون يرتدون الزي العسكري، وأحاط بهم أربعة قادة من بينهم القيادية الكبيرة في حزب العمال الكردستاني بسي هوزات، التي تلت بيانا باللغة التركية يعلن قرار الجماعة إلقاء السلاح.

وقالت “ندمر أسلحتنا طواعية في حضوركم في خطوة تدل على حسن النية والتصميم”، ثم قرأ قائد آخر البيان نفسه باللغة الكردية.

وطالبت القيادية البالغة 47 عاما “الدولة التركية بأن تمنح عناصر الحزب الحق في الدخول في السياسة الديموقراطية”، مضيفة “نحن مستعدون للذهاب إلى تركيا للانخراط في السياسة الديموقراطية ونريد ذلك (…) لمواصلة نضالنا من أجل الحرية والديموقراطية وتعزيز الاشتراكية الديموقراطية في تركيا”.

وأكّدت السيدة التي التحقت في صفوف الحزب منذ كانت في السادسة عشرة، أن المقاتلين بحاجة لضمانات أمنية للعودة إلى تركيا، موضحة “بدون ضمانات قانونية ودستورية، سيكون مصيرنا السجن أو الموت”.

وتابعت أن “ضمان الحرية الجسدية للزعيم آبو قانونيا، من خلال الضمانات القانونية، أمر ضروري… هذا هو شرطنا ومطلبنا الأساسي”.

وقال شاهد من رويترز إن طائرات هليكوبتر حلقت فوق الجبل الذي بدأت فيه عملية تسليم السلاح، فيما طوق العشرات من قوات الأمن الكردية العراقية المنطقة.

وحضر المراسم شخصيات من المخابرات التركية والعراقية ومسؤولون في حكومة إقليم كردستان العراق وأعضاء بارزون في حزب المساواة والديمقراطية للشعوب المؤيد للأكراد الذي لعب أيضا دورا رئيسيا في تسهيل قرار نزع سلاح حزب العمال الكردستاني.

وقال مسؤول تركي كبير إن تسليم الأسلحة يمثل “نقطة تحول لا رجوع عنها”، في حين قال مصدر حكومي آخر إن الخطوات التالية تتضمن إعادة دمج أعضاء الجماعة في المجتمع بشكل قانوني بالإضافة إلى جهود رأب الصدع في المجتمعات المحلية وتعزيز المصالحة.

ويتمركز حزب العمال الكردستاني في شمال العراق بعد أن جرى دفعه إلى التراجع بعيدا عن الحدود التركية في السنوات القليلة الماضية. ونفذ الجيش التركي عمليات وضربات من حين لآخر على قواعد الجماعة في المنطقة وأنشأ عدة مواقع عسكرية هناك.

وسيتردد صدى انتهاء صراع تركيا مع حزب العمال الكردستاني في المنطقة، بما في ذلك في سوريا حيث تتحالف الولايات المتحدة مع القوات الكردية السورية التي تعتبرها أنقرة فرعا للحزب.

وتتطلع واشنطن وأنقرة، العضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، لاندماج هؤلاء الأكراد بسرعة في الهيكل الأمني السوري، الذي يخضع لإعادة هيكلة منذ سقوط الرئيس بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول. ويقول محللون إن نزع سلاح حزب العمال الكردستاني قد يزيد من هذا الضغط.

ودعا كل من “العمال الكردستاني” وحزب المساواة والديمقراطية للشعوب وأوجلان حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تلبية المطالب السياسية للأكراد بالحصول على المزيد من الحقوق في المناطق التي يشكل الكرد أغلبية فيها، وخاصة في جنوب شرق البلاد حيث تركز التمرد.

وفي مقطع مصور نادر نُشر على الإنترنت يوم الأربعاء، حث أوجلان أيضا البرلمان التركي على تشكيل لجنة للإشراف على نزع السلاح وإدارة عملية السلام الأوسع نطاقا.

واتخذت أنقرة خطوات نحو تشكيل اللجنة، في حين قال حزب المساواة والديمقراطية للشعوب والزعيم الكردي إن هناك حاجة إلى ضمانات قانونية وآليات معينة لتسهيل انتقال حزب العمال الكردستاني إلى السياسات الديمقراطية.

وقال عمر جليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه أردوغان، إنه لا ينبغي السماح بأن تطول عملية نزع السلاح أكثر من بضعة أشهر لتجنب أن تصبح عرضة للاستفزازات.

وقال أردوغان إن نزع السلاح سيسمح بإعادة إعمار جنوب شرق تركيا. وذكر وزير المالية محمد شيمشك أن أنقرة أنفقت ما يقرب من 1.8 تريليون دولار على مدى العقود الخمسة الماضية لمكافحة الإرهاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى