الشعب الإماراتي لا يتطلع إلى من يؤكد له مدى بُعد نظر قيادته في بناء قراراتها ومواقفها الاستراتيجية؛ لأن هناك نماذج واقعية على مدى نصف قرن تؤكد حكمتها
علينا أن ننظر إلى إشارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في الجزء الأول من مذكراته “الأرض الموعودة” إلى تحذير صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، من التعامل مع جماعة “الإخوان المسلمين” المتطرفة، على أنه اعتراف (خجول) لخطأ كبير وقعت فيه إدارته، التي تسببت في الكثير من الفوضى والخراب في المنطقة، وبالتالي الكل يتمنى أن تكون هذه الإشارة محاولة لتصويب ذلك الخطأ، لأن هذا أفضل من الاستمرار فيه.
لا سيما أن العالم الغربي -الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية- بدأ يعاني من سلوكيات هذا التنظيم، خاصة فرنسا والنمسا حالياً، ولكن الأمر لن يقتصر عليهما فقط، فهو تكتيك إخواني تدريجي، ويتم تطبيقه على مراحل وفترات، وفي أماكن يجدونها مناسبة من حيث اللحظة.
لأول وهلة من قراءتك لما تم نشره في مذكرات أوباما بشأن المحادثة التي أجراها سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي حذره من عواقب الاستعانة “بالإخوان المسلمين” في حكم مصر، ينتابك شعور بأن أوباما يشعر بندمه لأنه لم يأخذ بالتحذير والنصيحة، أما مبرراته في اتخاذ قرار الضغط على الرئيس المصري الراحل حسني مبارك كونه يحصل على مساعدات أمريكية، فهذا يدينه ويضعه في خانة عدم تقدير معنى الحليف أكثر مما هو مبرر منطقي من سياسي بحجم الرئيس الأمريكي؛ لأن ذلك الموقف تسبب في “هزة” في العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وحلفائها، الذين يفترض أنها تعتمد عليهم.
ولمن يدرك ما يحصل الآن من وضع مأساوي بسبب موقفه ذلك، فإن ما نقله أوباما، هي: شهادة للتاريخ بأن القيادة الإماراتية عندما تلزم نفسها بنصيحة لأي دولة شقيقة أو صديقة كانت فإنها تفرض على نفسها أن تكون صادقة مع نفسها أولاً ومع الصديق أو الحليف بعد ذلك، ولك أن تقيس ذلك على العديد من المواقف الإماراتية الأخرى؛ لأن الموضوع شهادة للتاريخ، وسيأتي الوقت الذي ينصف الإمارات وقيادتها، كما جاء الآن في مذكرات أوباما، وبشهادته بنفسه وهو حي يرزق.
بهذا الاعتراف المسبوق من أعلى سلطة كانت تحكم الولايات المتحدة حول قرارات اتخذتها في سياستها الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وتجاهلت فيها رأي حلفائها الحقيقيين في المنطقة، إنما تَثبُت مسألتان مهمتان من المهم ألا يكررها الرئيس القادم وهما:
المسألة الأولى: أنه لم يعد مقبولاً التشكيك في سوء نوايا تيارات الإسلام السياسي وفي مقدمتها تنظيم “الإخوان المسلمين” وخبث مقاصدهم التي دائما يخفونها، وسعيهم الدائم إلى الوقيعة بين الحكومات الغربية والعربية، والكيد المستمر لتخريب التعايش بين الشعوب والأديان، وإذا كان هذا مفهوما لدى دول غربية خاصة أوروبية؛ لأنها استخدمتهم سياسياً في مراحل معينة ضد دولهم الأصلية، فإن الأمر حالياً بعد أن اعترف أوباما بخطرهم فينبغي عليهم أن يناقشوا آليات التعامل عندهم، فالموضوع محسوم بالنسبة لنا حكومات وشعبا، الذي لم يعد يقبل التساهل معهم.
المسألة الثانية: صحة رؤية القيادة الإماراتية في تقييمها لأي تجربة لها علاقة بالمنطقة؛ لأنها مليئة بالتفاصيل، وليس كل شخص أو سياسي باستطاعته أن يدركها دون الرجوع إلى أبنائه الذين يعملون على حماية استقرار منطقتهم التي تعتبر أهم جزء في جغرافية العالم، ليس من حيث إنها مصدر مهم للطاقة، وإنما كونها “رمانة ميزان” استقرار العالم كله، فالجميع يتنافس على النفوذ فيها، ومن يريد أن يدير السياسة الدولية عليه أن يمر من هذا المنطقة، وعليه ألا يتجاهل رأي القيادة الإماراتية في قضاياها؛ حيث إن هناك تطابقا بين المساعي الدولية في خدمة الاستقرار العالمي ورؤية القيادة الإماراتية.
الشعب الإماراتي لا يتطلع إلى من يؤكد له مدى بُعد نظر قيادته في بناء قراراتها ومواقفها الاستراتيجية؛ لأن هناك نماذج واقعية على مدى نصف قرن تؤكد حكمتها، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي والدولي، وهي مستمرة في تقديم تلك النماذج، لكنها تتمنى من القيادات الغربية -على رأسها الإدارات الأمريكية- أن تثق بنصائح قادتها؛ لأن هذا التحذير ليس هو الأول، فاحتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين نتائجه نراه الآن، وتجاهل رأي القيادة الخليجية في الاتفاق النووي مع إيران تداعياته واضحة.. أمثلة للتذكير لا أكثر.