تركيا

مساعي التقارب بين تركيا والنظام السوري


منذ أشهر تبحث تركيا سبل فتح صفحة جديدة في العلاقات مع دمشق بعد سنوات من العداء والقطيعة بينما تحتل أجزاء من شمال سوريا وهو ملف يرخي بظلال بثقله على جهود مسار المصالحة المحتملة لكنه لن يكون خارج النقاشات والترتيبات في حال توصل البلدان إلى اتفاق يعيد الدفء للعلاقات وينهي عقدا من القطيعة.

وأطلق كبار المسؤولين الأتراك في الفترة الأخيرة بينهم رأس هرم السلطة رجب طيب أردوغان الذي قال في تصريحات سابقة على هامش قمة في أوزباكستان في سبتمبر الماضي إنه لو حضر الرئيس السوري بشار الأسد للقمة لكان عقد معه لقاء ثنائيا.

وإلى جانب تلك الإشارات يُرتقب أن يزور دوغو برينتشاك رئيس الحزب الوطني الحليف لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، دمشق للقاء الرئيس السوري.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن برينتشاك قوله إنه يعتزم زيارة ولقاء الأسد بطلب من الأخير قبل نهاية العام الحالي. مضيفا خلال اجتماع لحزبه “سنذهب إلى سوريا مع صديقنا رجل الأعمال التركي أدهم سانجاق في الشهرين المقبلين. بدعوة من السيد بشار الأسد”.

وتابع “السوريين هم إخوان الأتراك… تم وضع عوائق وجدران بين البلدين، لكن سيتم إزالة كل هذا”. مشددا على أهمية استعادة نسق التجارة بين البلدين. مضيفا “دع الشاحنات تأتي. دع قوافل التجارة تأتي وتذهب. دع البضائع المنتجة هنا تصدر. سنحيي التجارة مع جيراننا. سنجري محادثات معهم”. موضحا أن الهدف من زيارته المرتقبة لدمشق هو إنهاء الإرهاب وإحلال السلام والطمأنينة لتركيا.

وأوضح برينتشاك أيضا أن زيارته تهدف إلى إنهاء الإرهاب في سوريا وإحلال السلام والطمأنينة لتركيا. فالزيارة تأتي لتهيئة ظروف الإنتاج والسلام وبدء التبادل التجاري.

ويردد السياسي التركي منذ سبتمبر الماضي أنه سيزور دمشق لكن الزيارة تأجلت لأكثر من مرة، فيما جاءت تصريحاته حينها بعيد تصريحات أردوغان حول احتمال تطبيع العلاقات مع النظام السوري.

ويرجح أن يكون برينتشاك إلى جانب الروس حلقة الوصل بين دمشق وأنقرة في مرحلة محددة لتهيئة الظروف لمصالحة محتملة.

وقد أطلقت تركيا الثلاثاء إشارات جديدة على اتجاهها لمصالحة محتملة مع دمشق بعد أكثر من عشر سنوات عمل فيها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على الإطاحة بالنظام السوري من خلال دعم سخي للفصائل المعارضة المسلحة وتدخل عسكري في شمال سوريا أفضى لاحتلال أجزاء منه تحت ذريعة حماية الأمن القومي وملاحقة التنظيمات “الإرهابية” الكردية والإسلامية.

وفي أحدث الإشارات عرض وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في كلمة حول موازنة وزارة الخارجية في البرلمان التركي. إلى احتمالات تحقيق انفتاح في العلاقات على سوريا المجاورة بعد القطيعة والتوترات ضمن سياق المصالحات. التي انخرطت فيها تركيا منذ العام الماضي مع خصوم اقليميين بينهم الإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل.

وقال الوزير التركي “سنبحث رفع العلاقات الحالية بين الأجهزة الاستخباراتية إلى المستوى الدبلوماسي إذا ما تحقق المناخ المناسب لهذا”. مضيفا أن بلاده تحافظ على موقفها من الأزمة السورية ضمن أربعة أهداف معلنة هي : الحفاظ على وحدة سوريا وتحقيق استقرار دائم وفق حل سياسي وتطهير الحدود التركية من التنظيمات الإرهابية وعودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم.

وأوضح في هذا السياق أنه عاد حتى الآن 530 ألف سوري إلى سوريا بفضل جهود تركيا لتحقيق الاستقرار بالمنطقة. فيما تسعى أنقرة للتخلص من أعباء اللاجئين السوريين شأنها في ذلك شأن دول الجوار السوري التي ترغب في إعادة اللاجئين السوريين على أراضيها إلى بلادهم.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أكد في أغسطس الماضي صحة تقارير ومعلومات عن تحركات تركية لتطبيع العلاقات مع دمشق. مشيرا إلى أن بلاده لا تسعى للإطاحة ببشار الأسد في تصريح يشكل انعطافة بعد سنوات من العداء. أعلنت فيها أنقرة استحالة استمرار الأسد في منصبه واتهمته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق شعبه.

وقال أردوغان حينها “لا يشغلنا هزيمة الأسد من عدمه.. كل الخطوات التي اتخذناها مع الروس في شمال سوريا وشرق وغرب الفرات هدفها القتال ضد الإرهاب لا الحكومة السورية”.

بعد أكثر من عقد من التوترات، أكد الرئيس رجب طيب أردوغان في أغسطس الماضي، صحة تقارير تتحدث عن تطبيع العلاقات مع دمشق. منوها بأن تركيا لا تسعى لإزاحة بشار الأسد، على النقيض من التصريحات السابقة في هذا الصدد.

وسيكون مسار المصالحة بين أنقرة ودمشق معقدا إلى حدّ ما بالنظر إلى أن تركيا تحتل أجزاء واسعة من شمال سوريا. وهي المناطق التي تنتشر فيها ميليشيات سورية موالية لها وأخرى إسلامية متطرفة ترتبط أيضا بعلاقات مع سلطة الاحتلال التركي.

وكانت تصريحات أردوغان وكبار مسؤوليه قد أثارت غضب الفصائل والميليشيات السورية الموالية لتركيا. إذ يعتبرها البعض منها “طعنة في الظهر” ويعتقد معظمها أن أنقرة باتت مستعدة للتضحية بهم مقابل تسوية الخلافات مع دمشق.

لكن الحكومة التركية تقول إن المصالحة مع دمشق ستتطلب تسوية سياسية وتفاهمات بين النظام السوري والفصائل المعارضة. وانه حان الوقت لحل الأزمة السورية بما يحفظ وحدة سوريا واستقرارها.

ويرجح أن أي مصالحة بين أنقرة ودمشق ستتطلب أولا حل معضلة الميليشيات السورية المسلحة الموالية لتركيا. وأن النظام السوري لن يقبل بمصالحة تستثني وضع تلك الفصائل والسيادة السورية على شمالها.

وتريد أنقرة في المقابل التخلص من عبء محاربة التنظيمات الكردية السورية التي تشكل خطرا عليها باعتبار أن تشكل كيان كردي على تخوم تركيا سيعزز ويحفز النزعة الانفصالية لدى الأكراد.   

وعلى ضوء ذلك فإنه لا مفر من صفقة بين الجانبين. وأن تخلي تركيا على الفصائل الموالية لها باتت حتمية لتسريع جهود التقارب وإنهاء عشر سنوات من العداء بين أنقرة ودمشق.

وبالنسبة لقوات الاحتلال التركي في شمال سوريا من المتوقع أن تكون هناك ترتيبات للانسحاب أو ترتيبات لبقاء الوجود العسكري التركي في شمال سوريا كقوة دعم في مرحلة محددة زمنيا على أن يجري انسحاب تركي تدريجي من تلك المناطق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى