اخترنا لكم

مصر والإمارات ..إيكولوجيا متكاملة عربيا


في الساعات الأولى من إنطلاق أعمال قمة المناخ العالمي، كوب 27، كانت مدينة شرم الشيخ المصرية، على ساحل البحر الأحمر، تشهد حدثا عربيا – عربيا، له دلالاته التي لا تخطئها العين، والذي تمثل في توقيع اتفاقية بين مصر والإمارات، لإنشاء مشروع طاقة رياح بأرض الكنانة

الدلالات التي نحن بشأنها تؤشر إلى حقبة جديدة من التعاون الخلاق بين الدول العربية والتي أدركت أهمية التعاطي الجمعي، في مواجهة هجمات الإيكولوجيا الساخطة والغاضبة، من جراء الاعتداءات البشرية على المناخ، والنظرة الأحادية البراغماتية، التي دفعت الطبيعة للدفاع عن ذاتها، مقاومة كبرياء البشر.

تتشكى الكرة الأرضية منذ عقود، وما من مستجيب، وقد بلغت شكواها مداها، فما كان منها إلا أن أشهرت سيف الاحتباس الحراري، وما يستتبعه من جراح ثخينة متمثلة في ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، والجفاف القاتل، والتصحر المميت.

 أضحت البشرية اليوم في مواجهة معادلة صعبة، الحاجة إلى الطاقة من جهة، ومجابهة أكلاف الطاقة الأحفورية التقليدية من جهة ثانية .

 يكاد الحل السحري يتمثل في أفكار الابتكار، لا سيما البحث في ميكانيزمات الطاقة النظيفة، ومن بينها، طاقة الرياح، وهي عملية تحويل حركة الرياح إلى شكل أخر من أشكال الطاقة سهلة الاستخدام، غالبا كهربائية باستخدام التوربينات.

والمقطوع به أن طاقة الرياح تعتبر طاقة آمنة فضلا عن أنها من أحد أفراد عائلة الطاقة المتجددة، وهي طاقة بيئية لا يصدر منها ملوثات مضرة بالبيئة.

يمكن القطع أن المشروع العملاق الذي تم توقيعه في حضور الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يقرأ على مستويين:

الأول: المردود المالي والاقتصادي المباشر، والمتميز للغاية، سيما أنه سيوفر بديلا لاستهلاك ما قيمته خمس مليارات دولار من الغاز الطبيعي سنويا، عطفا على إتاحة نحو مائة ألف فرصة عمل.

 بجانب ذلك سوف يصل عدد العمالة المباشرة في مرحلة البناء إلى نحو 30 ألف شخص، وسيوظف نحو 70 ألف شخص بشكل غير مباشر، بجانب إضافة حوالي 3200 وظيفة للتشغيل والصيانة بعد انتهاء عمليات بناء المحطة.

 الثاني، يتسق ويتفق مع المبادرة المصرية المعروفة باسم ” الممر الأخضر “، حيث تتجه الإرادة الحكومية إلى أن يتم استبدال ما نحوه 42% من الطاقة التقليدية بطاقة نظيفة بحلول العام 2023، وبحسب الدراسات الأولية، فإن هذه المحطة تساعد مصر في التخلص من 23.5 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون .

 يعن للقارئ أن يتساءل:” ما الذي تعنيه تلك الشراكة بين مصر والإمارات في هذا التوقيت، وحيث قضية التغيرات المناخية، والمخاوف الناجمة عنها، تشغل تفكير العقول شرقا وغربا؟

 باختصار غير مخل، يمكن القطع بأن هناك وحدة توجه ومصير، وشراكة أهداف وطموحات، على صعيد الطاقة المتجددة، وبمبادرات ذاتية خلاقة، ضمن الطموحات العربية وداخل البيت العربي الواحد.

الأنفع والأرفع دوما في الرؤية الإماراتية، أنها لا تتوقف عند البراغماتية قصيرة النظر، وإنما تمتد مفاعيلها الإيجابية لتضحى أقرب ما تكون إلى المظلة العربية أول الأمر، والإنسانية في كل الأحوال.

 فائض الطاقة الذي سينتج عن المحطة التي ستقام على الأراضي المصرية لتوليد الكهرباء من خلال الرياح، سيتم حكما الاستفادة بها في حدود المنطقة العربية، ما يعني أن روح العمل الجماعي العربي هي التي تحلق فوق سماوات المنطقة.

 تاليا يمكن التفكير في مشروعات جماعية يقودها المثلث العربي البازغ عالميا المتمثل في الرياض وأبوظبي والقاهرة، ومن نعم الأقدار أن جميعها تتوافر لها مزايا ربانية من الشمس والمياه والرياح، ما يجعل منها قوة قادمة على صعيد الطاقة النظيفة.

 أما الهبة المجانية لهذا التجمع العربي، فتتمثل في القدرة على توليد الهيدروجين الأخضر، والذي يمكن تخزينه، ومن ثم تصديره للقارة الأوربية الجار الأقرب، والشريك الأكبر، ما يكسب العالم العربي، حضورا تنافسيا على خارطة الشطرنج الإدراكية العالمية .

ولعله من خلال مؤتمر شرم الشيخ، يمكن القول أن مصر مثلت القارة الإفريقية، والتي تعرضت لغبن شديد طوال العقود السابقة من قبل القوى الدولية، واليوم تدفع أكلاف تدهور المناخ العالمي.

 وها هي الشعلة تنطلق إلى أرض الإمارات الشقيقة، والتي ستشهد فعاليات، كوب 28، العام القادم، حيث الدور على قارة آسيا، والتي تسعى جاهدة للخروج من أطر المركزية التقليدية الغربية.

 وما بين مصر والإمارات، يمكننا القطع بأن العالم العربي ، بات حاضرا وبقوة في الشراكة الكوكبية ، وصار قادرا على طرح المبادرات من الذات ، وتبني مناهج واقعية لتوطين تكنولوجيات متقدمة ، تقي شعوب المنطقة أهوال غضبة الطبيعة ، وتفتح المسارات واسعة ، والمساقات عريضة أمام الأجيال القادمة للمزيد من التنمية المستدامة ، وبما يحقق طفرات من الوفرة الاقتصادية ، التي تسمح بالعبور فوق الأزمات المالية التي تتهدد العالم لا سيما في العام القادم 2023 والعهدة على الاقتصادي الأمريكي الكبير البروفيسور، نورييل روبيني وتوقعاته التي تخيف شكلا وموضوعا.

زر الذهاب إلى الأعلى