مطالبات بإصدار مذكرة اعتقال دولية بحق هنية يضاعف الضغوط على الدوحة
يواجه إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس والمقيم في قطر إمكانية إصدار مذكرة اعتقال دولية بحقه تنفيذا لطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، في خطوة من شأنها أن تضاعف الضغوط على الدوحة التي تلعب دور الوسيط في المفاوضات الرامية إلى إرساء هدنة في غزة، بينما تأتي هذه التطورات وسط توقعات بمغادرة قادة الحركة العاصمة القطرية إلى دول أخرى بينها تركيا.
وقطر ليست عضوا في الجنائية الدولية ولم توقع على ميثاقها التأسيسي (إعلان روما) وسبق أن طلبت منها في العام 2009 التعاون في تسليم الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي وجهت له الدوحة حينها دعوة للمشاركة في القمة العربية.
ولم يتضح الموقف القطري إلى حد الآن من قرار الجنائية الدولية بحق هنية، لكنها تجد نفسها في حرج باعتبارها عضوا في الأمم المتحدة وبسبب احتضانها لقادة حماس، بينما يرجح أن يعطي ذلك دفعة للتفكير في مطالبة هنية وغيره من قادة الحركة لمغادرة الدوحة خاصة مع تعثر جهود الوساطة وفشل الدبلوماسية القطرية في التوصل إلى هدنة بين حماس وإسرائيل.
ومثل هنية الوجه الحازم على صعيد الدبلوماسية الدولية للحركة الفلسطينية، مع احتدام الحرب مجددا في غزة حيث قتل ثلاثة من أبنائه في غارة جوية إسرائيلية.
وتنفي إسرائيل ارتكاب جرائم حرب في غزة التي اندلعت بعد هجوم قادته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول وأدى وفقا للإحصاءات الإسرائيلية إلى مقتل 1200 شخص واقتياد 250 رهينة إلى غزة وهو ما تسبب في أزمة للحكومة اليمينية المتطرفة.
وقال سامي أبوزهري رئيس الدائرة السياسية لحركة حماس بالخارج إن قرار المحكمة الجنائية الدولية “مساواة بين الضحية والجلاد”.
وسيكون الأمر متروكا لقضاة الإجراءات التمهيدية بالمحكمة لتحديد ما إذا كانت هناك أدلة كافية لإصدار مذكرات اعتقال.
وتقلد هنية منصب رئيس المكتب السياسي لحماس في 2017، وهو يتنقل حاليا بين تركيا والعاصمة القطرية الدوحة هربا من قيود السفر المفروضة على قطاع غزة المحاصر وهو ما يساعده على التفاوض في محادثات وقف إطلاق النار وإجراء مباحثات مع إيران، حليفة حماس.
وقال هنية في تصريحات لقناة الجزيرة ومقرها قطر بعد فترة وجيزة من شن مقاتلي حماس الهجوم على إسرائيل “نقول لكل الدول بما فيها الأشقاء العرب.. هذا الكيان لا يستطيع أن يحمي نفسه أمام هؤلاء المقاتلين، لا يقدر أن يوفر لكم أمنا ولا حماية، وكل التطبيع والاعتراف بهذا الكيان لا يمكن أن يحسم هذا الصراع”.
وأعلنت حماس مقتل ثلاثة من أبناء هنية، وهم حازم وأمير ومحمد، في العاشر من أبريل/نيسان عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية السيارة التي كانوا يستقلونها وقالت إن هنية فقد أيضا أربعة من أحفاده، ثلاث فتيات وصبي، في الغارة.
ونفى هنية تأكيدات إسرائيلية بأن أولاده كانوا يقاتلون في صفوف الحركة وقال “مصالح شعبنا الفلسطيني مقدمة على أي شيء وأبناؤنا وأولادنا هم جزء من هذا الشعب”، وذلك عند سؤاله عما إذا كان مقتل أولاده وأحفاده سيؤثر على محادثات الهدنة.
وعلى الرغم من اللهجة الصارمة التي يستخدمها في تصريحاته، فإن الدبلوماسيين والمسؤولين العرب يعتبرونه واقعيا نسبيا بالمقارنة بالأصوات الأكثر تشددا داخل غزة، حيث خطط الجناح العسكري لحركة حماس لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وتوعد هنية جنود الجيش الإسرائيلي بأنهم سيجدون أنفسهم “غرقوا في رمال غزة”، لكنه أجرى هو وسلفه خالد مشعل جولات مكوكية في المنطقة لإجراء محادثات بغية التوصل لاتفاق بوساطة قطرية مع إسرائيل يفضي إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن مقابل الإفراج عن فلسطينيين محتجزين في السجون الإسرائيلية، فضلا عن إدخال مزيد من المساعدات لغزة.
وتنظر إسرائيل إلى جميع قادة حماس باعتبارهم إرهابيين، وتتهم هنية ومشعل وآخرين بمواصلة “تحريك خيوط منظمة حماس الإرهابية”.
لكن لم يتضح حتى الآن إلى أي مدى كان هنية يعلم بهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول قبل وقوعه. فقد كانت الخطة، التي وضعها المجلس العسكري في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في غزة سرية للغاية لدرجة أن بعض مسؤولي الحركة بدوا مصدومين من توقيتها وحجمها.
ومع ذلك كان لهنية دور فعال في بناء القدرات القتالية لحماس عبر عدة طرق، منها تعزيز العلاقات مع إيران التي لا تخفي دعمها للحركة.
وخلال العقد الذي كان فيه هنية رئيسا لحركة حماس في غزة، اتهمت إسرائيل فريقه بالمساعدة في تحويل المساعدات الإنسانية إلى الجناح العسكري للحركة، وهو ما نفته حماس.
وعندما غادر هنية غزة في 2017، خلفه يحيى السنوار الذي قضى أكثر من عقدين في السجون الإسرائيلية والذي رحب به هنية مجددا في غزة في 2011 بعد عملية لتبادل المحتجزين.
وقال أديب زيادة، المتخصص في الشؤون الفلسطينية بجامعة قطر “هنية يقود المعركة السياسية لحماس مع الحكومات العربية”. مضيفا أنه يرتبط بعلاقات وثيقة مع شخصيات أكثر تشددا في الحركة والجناح العسكري وتابع “إنه الواجهة السياسية والدبلوماسية لحماس“.
والتقى هنية ومشعل بمسؤولين في مصر، التي تلعب أيضا دور الوساطة في محادثات وقف إطلاق النار. وذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن هنية سافر في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني إلى طهران للقاء الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي.
وقال ثلاثة مسؤولين كبار إن خامنئي أبلغ هنية خلال الاجتماع بأن إيران لن تدخل الحرب طالما أنها لم تعلم بأمرها مسبقا. ولم ترد حماس على طلبات للتعليق قبل أن تنشر رويترز التقرير، ثم أصدرت نفيا بعد نشره.
وفي مرحلة الشباب، كان هنية ناشطا طلابيا في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة وانضم إلى حركة حماس عندما تأسست خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987. وتعرض هنية للاعتقال والترحيل لفترة وجيزة.
وأصبح هنية أحد تلامذة الشيخ أحمد ياسين مؤسس حماس. والذي كان أيضا لاجئا مثل عائلة هنية من قرية الجورة القريبة من عسقلان. وفي عام 1994 قال لرويترز إن الشيخ ياسين كان نموذجا يحتذى به بالنسبة للشباب الفلسطيني وإنه تعلم منه حب الإسلام والتضحية من أجله وعدم الركوع للطغاة والمستبدين.
وبحلول عام 2003، أصبح هنية أحد المساعدين الذين يثق بهم ياسين. والتُقطت صورة له في منزل الشيخ في غزة وهو يحمل هاتفا بجانب أذن مؤسس الحركة الذي كان مصابا بشلل شبه كامل حتى يتمكن من المشاركة في حديث. واغتالت إسرائيل ياسين عام 2004.
وكان هنية من أوائل المدافعين عن دخول حماس معترك السياسة وفي عام 1994 .قال إن تشكيل حزب سياسي سيمكن حماس من التعامل مع التطورات الناشئة.
ورفض قادة حماس الدخول في ميدان السياسة في البداية، ثم وافقوا عليه لاحقا وأصبح هنية رئيسا للوزراء بعد فوز الحركة في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية عام 2006. وذلك بعد عام من انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة وسيطرت الحركة على غزة عام 2007.
وعندما سأله صحفيون من رويترز في 2012 عما إذا كانت حماس قد تخلت عن النضال المسلح أجاب هنية بالنفي القاطع وقال إن المقاومة ستستمر بجميع أشكالها. الشعبية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية.