الشرق الأوسط

منطقة عازلة جنوب لبنان: هل تلوح في الأفق؟


سلسلة من الغارات المدمرة شنتها إسرائيل على جنوب لبنان، بهدف «إضعاف جماعة حزب الله ودفعها بعيدا عن الحدود»، إلا أن خبراء يشككون في مساعي الدولة العبرية، مشيرين إلى أنها تخطط لإنشاء منطقة عازلة.

وتقول وكالة «أسوشيتد برس»، إن فرار أكثر من مليون شخص من القصف، أدى إلى إفراغ معظم الجنوب، مما يشير إلى سعي إسرائيل لتطبيق الاستراتيجية التي انتهجتها على طول الحدود مع غزة، وهي «إنشاء منطقة عازلة خالية من السكان».

ووفقاً لتحليل أجرته الوكالة مستندة فيه إلى صور الأقمار الصناعية والبيانات التي جمعها خبراء رسم الخرائط والتي تظهر مدى الدمار في 11 قرية بجوار الحدود، فإن ظروف إنشاء مثل تلك المنطقة باتت متاحة بالفعل.

وحول القصف، زعم الجيش الإسرائيلي أنه «ضروري لتدمير أنفاق حزب الله والبنية التحتية الأخرى التي يقول إن الجماعة زرعتها داخل المدن». كما أدت الانفجارات إلى تدمير منازل وأحياء وأحيانًا قرى بأكملها، حيث عاشت عائلات لأجيال.

وقالت أورنا ميزراحي، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إن «الهدف المباشر لإسرائيل ليس إنشاء منطقة عازلة – لكن هذا قد يتغير»، مضيفة: «ربما لن يكون لدينا خيار آخر سوى البقاء هناك حتى نتوصل إلى اتفاق يضمن لنا عدم عودة حزب الله إلى المنطقة».

هجمات إسرائيلية

وقد تخلل القصف هجمات إسرائيلية على قوات الأمم المتحدة والجيش اللبناني ـ وهي القوات التي من المفترض بموجب القانون الدولي أن تحافظ على السلام في المنطقة. ولطالما اشتكت إسرائيل من أن وجودها لم يمنع حزب الله من بناء بنيته التحتية في مختلف أنحاء الجنوب.

وقال الجيش اللبناني إن 11 جنديا على الأقل قتلوا في ثماني ضربات إسرائيلية، إما في مواقعهم أو أثناء مساعدتهم في عمليات الإجلاء، فيما قالت قوة حفظ السلام المعروفة باسم «اليونيفيل»، إن قواتها وبنيتها التحتية تعرضت للأذى 30 مرة على الأقل منذ أواخر سبتمبر/أيلول، وألقت باللوم على النيران أو الإجراءات العسكرية الإسرائيلية في حوالي 20 من هذه الحوادث.

آثار القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان

وبحسب «أسوشيتد برس»، فإن إسرائيل قد تكون تحاول الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق من خلال الدمار الذي أحدثته في جنوب لبنان، إلا أن بعض اللبنانيين يخشون «من أن هذا يعني احتلال أجزاء من الجنوب، بعد 25 عاما من إنهاء احتلال إسرائيل هناك».

وقال يوسي يهوشوا، المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت. إن الجيش يحتاج إلى «تعزيز إنجازاته العملياتية بشكل أكبر، لدفع حزب الله والحكومة اللبنانية والدول الوسيطة إلى قبول نهاية (الحرب) في ظل ظروف مناسبة لإسرائيل».

وقال النائب اللبناني مارك ضو، إنه يعتقد أن إسرائيل «تحاول إضعاف قدرات حزب الله. وتحويل الرأي العام اللبناني ضد إرادة مقاومة التوغلات الإسرائيلية».

وتوغلت القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، مدعومة بقصف عنيف اشتد منذ ذلك الحين.

مسار القصف

وباستخدام صور الأقمار الاصطناعية التي قدمتها شركة Planet Labs PBC، حددت وكالة «أسوشيتد برس» خطًا من 11 قرية – جميعها على بعد 4 أميال (6.5 كيلومترًا) من الحدود اللبنانية مع إسرائيل – والتي تعرضت لأضرار بالغة في الشهر الماضي. إما بسبب الضربات أو المتفجرات التي وضعها الجنود الإسرائيليون.

ووجد التحليل أن الضرر الأكثر شدة في الجنوب كان في القرى الأقرب إلى الحدود. حيث من المحتمل أن يكون ما بين 100 و500 مبنى قد دمر أو تضرر في كل منها، وفقًا لكوري شير من مركز الدراسات العليا في جامعة مدينة نيويورك وجامون فان دير هوك من جامعة ولاية أوريغون، الخبيرين في تقييم الأضرار.

في رامية، لم يتبق سوى مبنى واحد فقط على قمة التل المركزي للقرية. بعد تفجير مدروس أظهر جنود إسرائيليون أنفسهم وهم ينفذونه في مقاطع فيديو نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.

آثار القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان

وفي البلدة المجاورة، (عيتا الشعب) – وهي قرية ذات نفوذ قوي لحزب الله – حول القصف قمة التل ذات التركيز الأعلى من المباني إلى أرض قاحلة رمادية من الأنقاض.

وفي قرى أخرى، كان الضرر أكثر انتقائية؛ ففي بعضها، تسبب القصف في إحداث ندوب في كتل من المنازل؛ وفي أخرى، دُمر عدد من المنازل بينما ظلت المنازل المجاورة سليمة.

وأدى تفجير متحكم به آخر إلى تدمير جزء كبير من قرية أوديسة. وكان الانفجار قويا لدرجة أنه أثار إنذارات بحدوث زلزال في إسرائيل، بحسب «أسوشيتد برس».

ماذا قالت إسرائيل؟

وعندما سُئل الجيش الإسرائيلي عما إذا كان ينوي إنشاء منطقة عازلة، قال إنه «ينفذ غارات محلية محدودة ومستهدفة استناداً إلى معلومات استخباراتية دقيقة» ضد أهداف لحزب الله. مشيرًا إلى أن الجماعة اللبنانية «أخفت أسلحة عمدا في المنازل والقرى».

وتظهر مقاطع فيديو نشرها الجيش الإسرائيلي وجنود إسرائيليون على الإنترنت. جنودا يزرعون أعلاما على الأراضي اللبنانية. ومع ذلك، لم تقم إسرائيل ببناء أي قواعد أو تمكنت من الاحتفاظ بوجود دائم في جنوب لبنان. ويبدو أن القوات تتحرك ذهابا وإيابا عبر الحدود، وأحيانا تحت نيران كثيفة من حزب الله.

كان شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هو «الأكثر دموية» في عام 2024 بالنسبة للجيش الإسرائيلي، حيث قُتل حوالي 60 جنديًا، وفقًا للأرقام الرسمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى