من رئاسة مالي إلى صناعة المحتوى: قصة مايغا من القصر إلى يوتيوب

ما إن أُقيل شوجيل كوكالا مايغا من منصبه كرئيس لوزراء مالي، حتى وجد مقعده الجديد في “ساحة التأثير”، لكن دوره مختلف هذه المرة.
واليوم، تحوّل الرجل الذي كان ذات يوم في صدارة المشهد السياسي في باماكو، إلى صانع محتوى سياسي عبر منصة “يوتيوب”، حيث يطلّ على جمهوره بانتظام، متحدثًا عن القضايا المحلية والدولية من وجهة نظره.
من القصر إلى “الاستوديو”
خلال فترة ولايته، عُرف شوجيل مايغا بخطابه القومي الحاد، وانتقاداته اللاذعة للوجود الغربي في مالي، لا سيما القوات الفرنسية، ودعواته المتكررة لاستعادة السيادة الوطنية الكاملة.
وقد شكّل ذلك حجر الأساس في النهج السياسي الذي تبنّته السلطة الانتقالية في باماكو، قبل أن يتم استبعاده في يونيو/حزيران 2024، وسط تكهّنات حول خلافات داخلية في دوائر الحكم الانتقالي.
لكن الرجل غيّر دوره سريعًا، ووجد ضالته في “يوتيوب”.
في ظهوره الأخير، جلس مايغا على أريكة صفراء بلون الخردل، مرتديًا “غندورة” بيضاء ناصعة، ليبدأ سلسلة من التحليلات السياسية التي تشبه من حيث الشكل البرامج الحوارية (توك شو)، ولكن دون ضيوف أو مذيع.
تحدّث مطولًا، بأسلوب أقرب إلى الخطابة، عن مواضيع مثل السيادة الوطنية، التدخلات الغربية في أفريقيا، والتحوّلات الجيوسياسية في منطقة الساحل.
الفيديو الذي نُشر على “يوتيوب” حمل طابعًا إنتاجيًا بسيطًا، لكنه حيوي من حيث المضمون، ويعكس رغبة مايغا في مواصلة لعب دور مؤثّر في النقاش العام، حتى من خارج أروقة الحكم.
تعليقًا على ذلك، قالت مجلة “جون أفريك” الفرنسية: “لقد ترك رئاسة الحكومة، لكنه لم يتخلَّ عن أضواء الكاميرات. وجلس على أريكة صفراء بلون الخردل، ليلعب دورًا جديدًا”.
وأضافت المجلة: “الجيوسياسة الإقليمية، التدخلات الغربية، سيادة مالي… كل شيء مطروح للنقاش” على الأريكة، موضحة أنه “تم نشر الفيديو على يوتيوب، ويأخذ طابعًا شبيهًا ببرنامج حواري”.
طموح كبير
رغم إبعاده عن الحكومة، إلا أن مايغا لا يظهر بمظهر المعارض للسلطة الانتقالية، بل على العكس، يُظهر في تسجيلاته دعمًا واضحًا للمسار الانتقالي، مؤكدًا تمسّكه بمبادئ الاستقرار السياسي.
وُلد شوجيل كوكالا مايغا عام 1958 في مدينة غاو شمال مالي، وينتمي إلى قبيلة “السونغاي” ذات النفوذ التاريخي في المنطقة.
تلقّى مايغا تعليمه العالي في روسيا، حيث درس الهندسة السلكية واللاسلكية، ما أتاح له الاطلاع المبكر على الفكر الاشتراكي السوفياتي، وهو ما انعكس لاحقًا في توجهاته السياسية المناهضة للهيمنة الغربية.
ويتقن مايغا عدّة لغات، من بينها الفرنسية والروسية، ويُعرف بثقافته الواسعة وقدرته على الخطابة، وهو ما جعله شخصية بارزة منذ بداياته في الحياة العامة، بحسب مجلة “لوبوان” الفرنسية.
وبدأ مسيرته المهنية كصحفي ومستشار إعلامي، ثم دخل المعترك السياسي عبر مناصب حكومية متعددة، منها وزير الاتصالات والمتحدث الرسمي باسم الحكومة، قبل أن يُعرف على نطاق أوسع كرئيس لحزب “الحركة الوطنية من أجل النهوض” (MPR)، وهو حزب يحمل أفكارًا قومية تُعلي من شأن الاستقلال والسيادة الوطنية.
على المستوى الشخصي، يُعرف مايغا بتمسّكه بالهوية الثقافية التقليدية، واعتزازه باللباس المالي، ويُنظر إليه كسياسي شعبوي قريب من الناس، يستخدم لغة مباشرة ووجدانًا وطنيًّا قويًّا في خطابه.
كما يُوصف بأنه رجل هادئ الطباع، لكن حازم في مواقفه، خصوصًا عندما يتعلّق الأمر باستقلال القرار المالي عن القوى الخارجية.