سياسة

من يقف وراء اغتيال هنية ومن المستفيد؟


بين الضربة الأخيرة التي أسفرت عن اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية في إيران وبين مسار العملية برمتها حلقات قد تكشف مفاجآت وقد تميط اللثام عن أسرار.

وقد يبقى كل ذلك طي الكتمان، لأسباب عديدة منها الاحتفاظ بسرية هوية الجواسيس المحتملين، أو للتكتم حول تكتيك أمني معين أو لمجرد التعتيم على سير عمل مخابراتي، أو غيره.

وقُتل هنية المقيم في الدوحة والذي حضر قبل يوم مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان في الساعات الأولى من فجر الأربعاء بمقر إقامته في شمال طهران.

ورفضت إسرائيل التي لا تؤكد أو تنفي الأنباء عن عملياتها السرية في الخارج عادة، التعليق على الأمر.

لكن هذا الحدث لم يكن مجرد اغتيال لشخصية سياسية بارزة، بل فتح بابًا واسعًا للتكهنات والتحليلات حول الأطراف المتورطة والمستفيدة من هذا الاغتيال.

وفي هذا التحليل، نرصد العوامل الداخلية والخارجية التي قد تكون ساهمت في العملية.

كما تستعرض الانشقاقات والصراعات داخل حماس، وكيف أثرت هذه الانقسامات على قدرة الحركة على تنفيذ عملياتها، بالإضافة إلى التداعيات الإقليمية والدولية لهذا الحدث، بما في ذلك الاستفادة المحتملة لإسرائيل وإيران.

صراع الأجنحة

الانشقاقات والصراعات بين الأجنحة داخل حماس أصبحت أكثر وضوحًا خلال مفاوضات الهدنة مع إسرائيل على خلفية حرب غزة، خاصة بين الجناحين العسكري والسياسي.

وهذه الصراعات تعكس التنافس على السلطة داخل الحركة وتؤثر على قدرتها على تنفيذ عمليات موحدة وفعالة.

كما أن الفجوة بين الجناحين العسكري والسياسي تعكس صراعًا على النفوذ والسلطة داخل الحركة، فالعسكري يركز على المقاومة المسلحة، بينما السياسي يسعى للتفاوض والحلول الدبلوماسية.

وهذا التنافس يؤدي إلى انقسامات تؤثر على فعالية الحركة. 

والخلافات بين الجناحين تتجلى في المصالح المتضاربة؛ فالجناح العسكري يفضل العمل المسلح، في حين أن الجناح السياسي يميل إلى التفاوض.

وهذا التباين يخلق تحديات في اتخاذ القرارات الموحدة ويؤثر على استراتيجية الحركة ويؤثر سلبًا على قدرتها على تنفيذ عمليات موحدة وفعالة.

كما أن التسريبات والمعلومات التي قد تنجم عن هذه الصراعات تزيد من تعقيد الوضع وتضعف من قدرة الحركة على الحفاظ على سرية تحركاتها.

واحتمال تسريب معلومات حول تحركات هنية دليل على الصراعات الداخلية ومدى تعمق الانشقاقات داخل حماس، وهذا التسريب يضر بفعالية الحركة ويزيد من مخاطر الاستهدافات الدقيقة لقادتها.

 خيانة؟

بعض المحللين يذهبون لفرضية أن استهداف هنية بهذه السهولة والدقة، خاصة بعد حضوره مراسم رسمية، يفتح الباب أمام التكهنات بوقوف أطراف قريبة من حماس أو إيران وراء الاغتيال.

طرح يفجر تساؤلات حول كيفية خرق الإجراءات الأمنية المشددة في مناسبة رسمية تثير الشكوك حول التواطؤ الداخلي، ومثل هذه الحوادث تفتح المجال للنقاش حول فعالية التدابير الأمنية ومدى إمكانية اختراقها.

فالاستهداف الدقيق يشير إلى احتمال وجود تواطؤ داخلي، وهذا الاحتمال يعزز من فرضية وجود خيانات داخلية أو تعاون مع جهات خارجية لتحقيق أهداف معينة.

ودور المعلومات الاستخباراتية في تحديد تحركات هنية بدقة يعكس مدى تعقيد الصراع داخل الحركة وحولها، كما أن تسريب المعلومات الحساسة يسهل عمليات الاستهداف ويضعف من قدرة الحركة على الحفاظ على قادتها.

وتحليل الأطراف التي قد تستفيد من وقوع الاستهداف بهذه الطريقة يشمل النظر في المصالح الإقليمية والدولية، كما أن الجهات المستفيدة قد تكون دولًا أو تنظيمات تسعى لتحقيق مكاسب سياسية أو أمنية.

وفي قراءته لهذه الجزئية، يعتقد حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والبحوث بشأن العالم العربي والمتوسط في جنيف، أن “هذه العملية تظهر أن إيران لم تكن قادرة على تأمين ضيوف المرشد الأعلى والرئيس”.

وشدد عبيدي، في حديث لوكالة فرانس برس، على أن طبيعة الهجوم تظهر أن إسرائيل كانت لديها “معلومات دقيقة للغاية” عن مكان هنية وتحركاته.

أما بحسب رؤية المختص بالشأن السياسي الإيراني دانيال الأحوازي، فإن الأماكن التي تستضيف الوفود الرسمية والشخصيات تعتبر محصنة وغير قابلة للاختراق.

وقال الأحوازي إن “هذا الأمر يتضاعف عندما تكون الشخصيات ذات قيمة عالية في التوازنات الاستراتيجية أو في حال كانت مطلوبة للعدالة الدولية، وهذا ما يفرض التعامل معها واستضافتها تحت رقابة مشددة”.

ووفق تقديرات الخبير ذاته، فإن الطريقة التي استهدف بها هنية تشبه تلك التي استخدمت لاستهداف قاسم سليماني قائد فيلق القدس والعالم النووي محسن فخري زادة بتأكيد وجود طرف ثالث أعطى إحداثيات مكان تواجد القيادي الفلسطيني.

  “البطة العرجاء”؟

أصبح هنية عائقًا بشكل كبير في الكثير من المواقف داخل حماس، حيث فقد تأثيره السياسي وأصبح يتخذ مواقف بعيدة عن مواقف الجناح العسكري.

تراجع يعكس تزايد نفوذ الجناح العسكري وتهميش الجناح السياسي، كما أن الاختلاف في الرؤى بين هنية والجناح العسكري، خاصة في العمليات الكبرى، يعكس التباين في الاستراتيجيات.

وهذه الخلافات تؤثر على تماسك الحركة وقدرتها على تنفيذ استراتيجيات موحدة، فكيفية تهميش هنية داخل الحركة وتأثير ذلك على سياسات حماس يعكس الانقسامات الداخلية.

وهذا التهميش يضعف من وحدة الحركة ويزيد من تعقيداتها الداخلية، والتباين بين مواقف هنية وتلك التي يعتمدها الجناح العسكري يعكس الخلافات الداخلية، علاوة على أن التنازلات التي يقدمها الجناح السياسي تثير حفيظة الجناح العسكري وتزيد من التوترات الداخلية.

 وبذلك، أصبح هنية بمثابة “البطة العرجاء” داخل حماس، حيث يملك ولا يحكم، أي أنه يعتبر وجهًا شهيرًا للحركة دون أن يكون له تأثير فعلي على القرارات.

وتبعا لذلك، فإن استكشاف تأثيرات مقتل هنية على ديناميكيات القوة داخل الحركة يعكس التحولات المتوقعة، فالاغتيال قد يعزز من نفوذ الجناح العسكري ويهمش الجناح السياسي بشكل أكبر.

كما أن كيفية تعامل الدول والمنظمات الدولية مع اغتيال هنية يفتح المجال لتحليل الردود السياسية التي قد تتراوح بين الإدانات والاستغلال السياسي للحدث.

وبالتالي، فإن تأثير مقتل هنية على الصراع الطويل الأمد والعمليات المستقبلية يعكس التحولات الممكنة، وقد يؤدي إلى تصعيد العمليات العسكرية أو تغير في استراتيجيات الصراع.

كما أنه من المرجح أن يستغل الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني هذا الحدث لصالحهما السياسي ما يعكس التحولات الممكنة، خصوصا أنهما قد يسعيان لاستخدام الحدث لتعزيز مواقفهما السياسية والأمنية.

حسابات إيران

أما بالنسبة لإيران فإن مقتل هنية سيعطيها الحق في اتخاذ موقف متصلب مدعوم بردود الفعل المستاءة من الاغتيال خاصة في ظل التوقعات بفوز الرئيس السابق والمرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية.

فإيران قد تستخدم الاغتيال لتعزيز موقفها الأمني والعسكري في المنطقة، وهذا التعزيز يهدف لتحسين قدراتها الدفاعية والهجومية في مواجهة التهديدات المتزايدة.

كما أنه يمكن لطهران استغلال ردود الفعل الدولية لكسب التعاطف ودعم موقفها في النزاعات الدولية ما يعكس التحولات الممكنة، ما يساعد في تعزيز موقفها السياسي والدبلوماسي.

وفي علاقة بانتخابات أمريكا، يعتقد خبراء أن إيران تستعد لفوز محتمل لترامب بتعزيز مواقفها السياسية والعسكرية، وهذه الاستعدادات تهدف لتحسين قدرتها على مواجهة التحديات المستقبلية.

احتمالات وحيثيات عديدة لكن المؤكد هو أن اغتيال هنية سيؤثر على الديناميكيات بين إيران والولايات المتحدة وقد يزيد من التوترات، أو يؤدي إلى تفاهمات جديدة لتجنب تصعيد النزاع.

لكن الثابت في كل ما سبق هو أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حبلى بالكثير من الأحداث والروايات وبعض الحقائق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى