أنهى الاتفاق الذي عُقِد مؤخراً في محافظة درعا السورية بين وجهاء المدينة ومسؤولين أمنين من الحكومة، حالة التصعيد التي أرغمت نحو 40 ألفاً من السكان على مغادرة مدينة درعا.
التي تعد مهد الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في سوريا في مارس (آذار) من عام 2011، وقد ساهمت روسيا في التوصل لهذا الاتفاق بعد أكثر من شهرين من التصعيد العسكري بين جماعاتٍ مسلّحة معارضة لدمشق والجيش السوري الذي حاصر أحياء سكنية في المحافظة تُعرف بـ”درعا البلد”. وهي خطوة قد تكون نقطة البداية لحلٍّ شامل في المحافظة التي توصّلت فيها المعارضة والحكومة إلى “تسوّية” في صيف عام 2018.
وعلى الرغم من أن المفاوضات كانت قد تعثّرت مرّات عدة بين الطرفين السوريين المعارض والحكومي خلال شهر اغسطس (آب) الماضي، إلا أنهما أخيراً تمكنا من التوصل لاتفاق برعايةٍ روسية في اليوم الأول من شهر سبتمبر (أيلول) الجاري. ومع أن جماعاتٍ معارضة رفضت بعض بنود هذا الاتفاق، لكن وجهاء درعا قفزوا فوق هذه الخلافات وساهموا بدورهم في إنهاء التصعيد العسكري الذي يعد إنجازاً محلّياً بالنسبة لسكان المحافظة، لاسيما الذين يعيشون في الأحياء المحاصرة التي تعهدت الحكومة بموجب الاتفاق الأخير برفع الحصار عنها، مقابل تسليم مسلّحين معارضين لأسلحتهم، ودخول قواتٍ روسية وأخرى أمنية سورية إلى تلك الأحياء.
إن تأثير دخول القوات الحكومية إلى تلك الأحياء التي فرضت دمشق حصاراً عليها لأكثر من شهرين وتواجدها في تلك المناطق في الفترة المقبلة، لن يكون كبيراً، فالقوات الروسية هي التي ستتولى مهمة التزام كلا الطرفين ببنود الاتفاق على غرار التسوية التي تمّت بين المعارضة والحكومة في درعا قبل نحو 3 سنوات، حيث ستلعب موسكو دور المراقب لوقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ قبل يومين بموجب الاتفاق الأخير، عقب دخول قواتها العسكرية إلى درعا البلد. وهو أمر حصل سابقاً في مناطقٍ أخرى في سوريا عندما توسّطت موسكو بين أنقرة وقوات “سوريا الديمقراطية” في شرق الفرات وكذلك بين المعارضة والجيش السوري في إدلب. وقد يتكرر لاحقاً في مناطقٍ أخرى من البلاد، ويمنح موسكو مزيداً من النفوذ على الأراضي السورية، خاصة في حال انسحبت القوات الأمريكية من شرق سوريا.
وباعتقادي فإن أولى تداعيات هذه الإتفاق تكمن في منع موسكو لطهران من لعب دور الوساطة في محافظة درعا، فهي حدّت من تأثّير المليشيات الإيرانية في المحافظة. كما أن رعايتها لهذا الاتفاق لوحدها، أظهر غياب طهران عن الساحة كلياً رغم تواجد مجموعاتٍ مسلّحة موالية لها في درعا. حتى أن هذا الأمر يؤكد أيضاً عدم وجود أي تأثير إيراني على وجهاء درعا الذين قبلوا بالحلول الروسية في ظلِ غياب طهران عن مفاوضاتهم مع “اللجنة الأمنية” التي كانت تمثل حكومة دمشق.
وبالطبع يمنح الموقع الاستراتيجي لمحافظة درعا، أهميةً كبيرة لها لدى قوى دولية مثل روسيا وأخرى إقليمية مثل إيران، فهي تقع على الحدود مع الأردن وإسرائيل، ولذلك تشهد درعا نوعاً من الصراع الخفي بين موسكو وطهران، فالأولى تريد أن تكون كامل المحافظة تحت سطوة “الفيلق الخامس” الذي تدعمه، أو على أقل تقدير أن يكون الأكثر تأثيراً مقارنة بالمليشيات الإيرانية المتواجدة في درعا والتي تحاول أن تجعل منها قاعدةً عسكرية قد تستهدف منها تل أبيب في أي لحظة. لكن حتى الآن، يبدو الطرف الأول هو الأقوى وستزداد قوته بعد الاتفاق الذي عُقِد مؤخراً.
لكن مع ذلك، قد يكون الاتفاق الأخير عرضة للانهيار في أي وقت، إذا ما حصلت خلافات بين موسكو وطهران حول وجود الجماعات التي يدعمهما كلا الطرفين في محافظة درعا، إلا أن هذا لا يلغي أهمية الاتفاق الذي توصّلت إليه “اللجنة المركزية” التي تنوب عن وجهاء المحافظة، مع اللجنة “الأمنية الممثلة” عن حكومة دمشق، فهو جنّب درعا مزيداً من الدمار وأوقف سفك الدماء وحركة النزوح.
وبالتالي، الاستمرار في تطبيق بنود هذا الاتفاق والالتزام به، هو الحلّ المثالي لمنع تكرار التصعيد العسكري في درعا كما حصل خلال آخر شهرين ونيّف، ذلك أن تداعيات الإخفاق في تنفيذ البنود سيؤدي إلى عودة المواجهات المسلّحة إلى المدينة، ما يعني المزيد من الخسائر البشرية، فضلاً عن تأثير ذلك على الأردن باعتباره بوابة لنزوح السكان من درعا إلى أراضيه، إضافة إلى إسرائيل التي ترفض وجود مليشيات مؤيدة لطهران على حدودها.